وقيل دخل الإمام عمر يوماً على شهاب الإسلام الوزير، وهو عبد الرزاق بن الفقيه الأجل أبي القاسم عبد الله بن علي بن أخي النظام، وكان عنده إمام القراء أبو الحسن (ابن) الغزال، وكانا يتكلمان في اختلاف القراءة في آية فقال شهاب الإسلام: على الخبير سقطنا. فسئل الإمام عمر عن ذلك فذكر وجوه اختلاف القراء وعلل كل واحد وذكر الشواذ وعللها، وفضل وجهاً واحداً على سائر الوجوه، فقال إمام القراء أبو الحسن (ابن) الغزال: كثر الله في العلماء مثلك، اجعلني من أدمة أهلك وارض عني، فإني ما ظننت أن واحداً من القراء في الدنيا يحفظ ذلك ويعرفه فضلاً عن واحد من الحكماء.
وأما أجزاء الحكمة من الرياضيات والمعقولات فكان ابن بجدتها. ودخل عليه يوماً حجة الإسلام محمد الغزالي وسأله عن تعيين جزء من أجزاء الفلك القطبية دون غيرها، مع أن الفلك متشابه لأجزاء وأنا قد ذكرت ذلك في كتابي " عرائس النفائس " من تصنيفي، فأطال الإمام عمر الكلام وابتدأ من أن الحركة من مقو (كذا) . وضن بالخوض في محل النزاع، وكان (هذا) من دأب ذلك الشيخ المطاع، حتى قام قائم الظهيرة وأذن المؤذن فقال الإمام الغزالي: " جاء الحق وزهق الباطل " وقام.
ودخل الإمام عمر يوماً على السلطان الأعظم سنجر وهو صبي وقد أصابه الجدري، فخرج من عنده فقال له الوزير مجير الدولة: كيف رأيته، وبأي شيء عالجته. فقال له الإمام عمر: الصبي مخوف، ففهم ذلك خادم حبشي ورفع ذلك إلى السلطان. فلما بريء السلطان أضمر بسبب ذلك بغض الإمام عمر، وكان لا يحبه.
وكان السلطان ملكشاه ينزله منزلة الندماء، والخاقان شمس الملوك ببخاري يعظمه غاية التعيم، ويجلس الإمام عمر معه على سريره. وحكى الإمام عمر يوماً لوالدي قال: إني كنت يوماً بين يدي السلطان ملكشاه فدخل عليه صبي من أولاد الأمراء، وأدى خدمة مرضية، فتعجبت من حسن خدمته على صغر سنه، فقال لي السلطان: لا تتعجب فإن فرخ الدجاجة إذا تبقأت بيضته يلتقط الحب بلا تعليم، ولكنه لا يهتدي إلى بيته سبيلا، وفرخ الحمامة لا يلتقط الحب إلا بتعليم الزق، ومع ذلك يصير حماماً هادياً يطير من مكة إلى بغداد، فتعجبت من كلام السلطان وقلت: كل كبير ملهم.
وقد دخلت على الإمام في خدمة والدي رحمه الله في سنة سبع وخمسمائة فسألني عن بيت في الحماسة وهو:
ولا يرعون أكناف الهوينا ... إذا حلوا ولا أرض الهدون
فقلت الهوينا تصغير لا تكبير له كالثريا والحميا، والشاعر يشير إلى عز هؤلاء ومنعتهم، يعني لا يسفون، إذا حلوا مكاناً إلى التقصير، ولا إلى الأمر الحقير، بل يقصدون الأسد فالأسد من معالي الأمور. ثم سألني عن أنواع الخطوط القوسية فقلت أنواع الخطوط القوسية أربعة منها محيط دائرة ومنها قوس (نصف دائرة ومنها قوس أقل من نصف دائرة ومنها قوس) أعم من نصف دائرة فقال لوالدي: أعرفها من أخزم.
وحكى لي ختنة الإمام محمد البغدادي أنه كان يتخلل بخلال من ذهب، وكان يتأمل الإلهيات من الشفاء، فلما وصل إلى فصل الواحد والكثير، وضع الخلال بين الورقتين وقال: أدع الأزكياء حتى أوصي فوصى، فقام وصلى، ولم يأكل ولم يشرب. فلما صلى العشاء الأخيرة سجد وكان يقول في سجوده، اللهم (إنك) تعلم أني عرفتك على مبلغ امكاني، فاغفر لي، فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك. ومات.
[أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي]
كان من تلامذة عمر الخيام وتلامذة الإمام أحمد الغزالي، وصنف كتاباً وسماه زبدة الحقائق وخلط فيه كلام الصوفية بكلام الحكماء فصلب بسبب عداوة كانت بينه وبين الوزير أبي القاسم الانساباذي. ومن كلماته قوله: من أدرك وجود الحي القيوم تبارك وتعالى لزمه شوق عظيم إليه وطلب تام لا تصوره عنه العبارة، والعقل أيضاً يلتذ بإدراك وجود الحق تعالى ولكن ليس هو من التذاذ بكماله وإدراك جلاله تعالى بل هو التذاذ به من حيث أنه معلوم كما يلتذ بسائر المعلومات. ولعمري أني لا أنكر التفاوت بين الإلتذاذين من حيث شرف أحد المعلومين، لكن التذاذ العقل بذلك كالتذاذ البصر بإدراك مشموم طيب من لونه وهيئته.
وقال: كل ما في الوجود الممكن فإن، ولا بقاء إلا لحقيقة الحي القيوم، كما أن الصورة التي تتراءى في المرآة فانية الحقيقة، ولا بقاء إلا للصورة الخارجية.