للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإخلاصه وعلمه وتمكنه ومثابرته.

فالترمذي أحد أفرادٍ قلائلَ أدركوا أهمية المناظرة ومزاياها ونتائجها الحسنة في تلقيح العقول، وتثبيت المعلومات وتنشيط الأذهان، وشحذ الأفكار، وحصول الملكات ورسوخها، وتحرك الهمم نحو الغايات الحميدة، وغير ذلك. فأقبل على مذاكرة الشيوخ وأكب على مباحثتهم ومساءلتهم عما عنّ له من المشكلات العلميّة الدقيقة والخفيّة، حتى غدا ذلك سمة بارزة فيه.

قال ابن حبان: "كان أبو عيسى ممن جمع وصنف وذاكر وحفظ".

ومن هنا فلا ينبغي أن يمضي القارئ الكريم قبل أن يستحضر في مخيلته الإمام الترمذي ذلك المحدّث الدؤوب، وهو كتلة من الحيوية والنشاط ينقب ويبحث، ويتنقل بين المشايخ يستفيد منهم، ويناظرهم بوعي وفكر وحضور قلب وفهم وجودة وتصور.

وقد أحرز الترمذي بتلك السمة مكانة عالية ومنزلة سامية في نفوس شيوخه ومعلميه، فهذا شيخه البخاري –وقد امتدت إليه ظلال تلك المذاكرة بعظيم نفعها ووافر كسبها- لا يكتم تلميذه الترمذي مشاعره، وانطباعاته وتقديره، وامتنانه نحوه، فيبوح له بأن ما عاد عليه بتلك المناظرات يفوق ما أفاده هو به.

نقل الترمذي عن شيخه البخاري أنه قال له: "ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي".

هكذا استطاع الترمذي بقيمة ما ذاكر به أن ينتزع هذه الشهادة

<<  <  ج: ص:  >  >>