للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه لم يكن مقلداً له بل وافقه، وخالفه، واجتهد في المسائل على ضوء ما ظهر له منها، مما يبرز ثقله في الميدان الحديثي والعلمي.

ولا شك أن هذه الناحية سببت لي حرجاً كبيراً، وتهيباً عظيماً في التوسط بين إمامين من كبار أئمة النقد والتعليل، يرى أحدهما الرأي ويخالفه الآخر، فيثبت ما يقابله. ومعنى هذا أنني أزج بنفسي في الفصل بين حكمين، وأقحمها في الحكم بين فارسين، وهذه وظيفة شاغرة ومرتبة يعز وجودها لاسيما في هذا العصر، إلا إن مما خفف من هذا التهيب، وقلل منه هو إيماني العميق بنبل مقصد الرجلين البخاري والترمذي، وسمو غايتهما، وتجردهما للعلم، وعدم ادعائهما العصمة والإحاطة، فمن هنا بعد الاستعانة بالله عزّ وجلّ حاولت جاهداً بما توفر لي من مصادر العلم التقريب بين وجهات النظر قدر الإمكان، فإذا لم يكن بد من الترجيح فإني رجعت القول الصائب بدليله.

ويتضح هذا جلياً في الحديث الثاني؛ إذ يرى الترمذي اختلاف الروايات فيه موجباً لاضطرابه، فيقوم بعرض الاضطراب- وذلك في سبيل البحث عن حل له ومخرج منه على الدارمي والبخاري، إلا أن الدارمي على جلالة قدره توقف ولم يقض فيه بشيء، فلم يبد رأيه في الموضوع، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>