بهمزة استفهام الإنكار: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَينَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)} ثم نزه نفسه عن ذلك الحسبان المقتضي تجرد خلقهم عن حكمة البعث والجزاء أكمل تنزيه وأتمه بقوله: {فَتَعَالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)} [المؤمنون} أي: تعالى الله الملك الحق وتقدس وتعاظم وتنزه عن أن يكون خلقهم عبثًا لا لحكمة بعث وجزاء.
وقال تعالى منكرًا ذلك أيضًا: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)} [القيامة: ٣٦].
وهذا الذي نزه تعالى عنه نفسه من كونه خلقهم باطلًا لا لبعث وجزاء نزهه عنه أيضًا أولوا الألباب، أي أصحاب العقول السليمة، وذلك في قوله تعالى في آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)} فقوله: {سُبْحَانَكَ} أي: تنزيهًا لك عن أن تكون خلقت هذا الخلق باطلًا لا لحكمة تكليف وبعث وحساب وجزاء، فتنزيههم له عن ذلك بقولهم:{سُبْحَانَكَ} كتنزيهه لنفسه عن ذلك بقوله: {فَتَعَالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} الآية.
وأما مسألة رزقه تعالى الخلق، فقد بيَّن تعالى في آيات كثيرة من كتابه أن من حِكَم ذلك كونه برهانًا قاطعًا على أنه لا إله إلَّا هو وحده، وأنه المعبود وحده، فكونه هو الرازق لخلقه من أعظم أدلة التوحيد الدالة على عظمته جل وعلا وجلاله وكمال قدرته، ولذا يأتي بصفة الرزق دائمًا في القرآن في إقامة البرهان على توحيده تعالى، كقوله
= سماع ابن القاسم. انظر: العتبية مع شرحها البيان والتحصيل: ١٧/ ٣٣.