للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلُوبُكُمَا} أي: مالت. يدل على أن الإدراك وقصد الميل المذكور محله القلب، ولو كان الدماغ لقال: فقد صغت أدمغتكما كما ترى.

ولما ذكر كل من اليهود والمشركين أن محل عقولهم هو قلوبهم قررهم الله على ذلك؛ لأن كون القلب محل العقل حق، وأبطل دعواهم من جهة أخرى، وذلك يدل بإيضاح على أن محل العقل القلب. أما اليهود لعنهم الله، فقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} الآية [البقرة: ٨٨] فقال: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: ١٥٥]. فقولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} بسكون اللام يعنون أن عليها غلافًا، أي: غشاء يمنعها من فهم ما تقول، فقررهم الله على أن قلوبهم هي محل الفهم والإدراك، لأنها محل العقل، ولكن كذبهم في ادعائهم أن عليها غلافًا مانعًا من الفهم، فقال على سبيل الإضراب الإبطالي: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيهَا بِكُفْرِهِمْ} الآية، وأما على قراءة ابن عباس {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} بضمتين (١) يعنون أن قلوبهم كأنها غلاف محشو بالعلوم والمعارف، فلا حاجة لنا إلى ما (تدعوننا) [١] إليه، وذلك يدل على علمهم بأن محل العلم والفهم القلوب لا الأدمغة. وأما المشركون فقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ [وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ] [٢]} الآية [فصلت: ٥]، فكانوا عالمين بأن محل العقل القلب، ولذا قالوا: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ}، ولم يقولوا: أدمغتنا في أكنة مما تدعونا إليه، والله لم يكذبهم في ذلك، ولكنه وبخهم على كفرهم بقوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَينِ} الآية [فصلت: ٩].


(١) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٥، والبحر المحيط: ١/ ٣٠١.

[١] قال معد الكتاب للشاملة: في (أ): تدعونا.
[٢] قال معد الكتاب للشاملة: غير موجودة في (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>