وكأنه أراد بهذا توهين ما في الموطأ في حديث معاذ، من أنه آخر ما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتحصل من هذا حكمه بأن حديث ليلة القدر، وحديث إذا أنشأت بحرية لا يصحان أصلا، لا بلفظهما المذكور، ولا بمعناهما، وأن الحديثين الآخرين لا يصحان باللفظ الوارد في الموطأ، ويصح من معناهما القدر الذي جاء في غيرهما، وهو أصل نسيانه صلى الله عليه وسلم، وأصل توصية معاذ بحسن الخلق
وقد حدثنا صاحبنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري وكان طلابة للحديث جماعة له، قال: أخبرني الشيخ أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد الله الصنهاجي الإسكندري بالإسكندرية، قال: أخبرني الشيخ أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي، إجازة، قال: أخبرني الحافظ أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري، قال: سمعت الحافظ أبا محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي، يقول: سمعت حمزة بن محمد الكتاني الحافظ، يقول: كل شيء رواه مالك في الموطأ مسندا أو مرسلا، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير جهته، إلا حديثين: أحدهما: إني لأنسى لأسن.
والآخر: إذا أنشأت بحرية.
قلت: هذا يتضمن إن حديث ليلة القدر قد روي أيضا بلفظه أو بمعناه، من غير جهة مالك، وهو كذلك، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
والقول الفصل عندي في ذلك كله: ما أنا ذاكره، وهو: أن هذه الأحاديث الأربعة لم ترد بهذا اللفظ المذكور في الموطأ، إلا في الموطأ، ولا ورد ما هو في معنى واحد منها بتمامه في غير الموطأ إلا حديث: إذا أنشأت بحرية.
من وجه لا يثبت.
والثلاثة الأخر: واحد، وهو حديث ليلة القدر، ورد بعض معناه من وجه غير صحيح، واثنان منهما، ورد بعض معناهما من وجه جيد أحدهما صحيح وهو حديث النسيان، والآخر حسن وهو حديث وصية معاذ رضي الله عنه.