٨ - أَخْبَرَنِي بِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَارِضِ، بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنَعْمِ الْحَرَّانِيُّ، أَنْبَأَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَوْزِيِّ، ثنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ مِنْ لَفْظِهِ وَكِتَابِهِ مَرَّتَيْنِ، أنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعُشَارِيُّ.
ح وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ الْعُشَارِيِّ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَرْسَرِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، ثنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ صَوْمَ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَصُومُوهُ، وَوَسِّعُوا عَلَى أَهَالِيكُمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ مَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ فَصُومُوهُ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ» فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلا نَحْوَ وَرَقَةٍ وَفِيهِ «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ مَرَضًا إِلا مَرَضَ الْمَوْتِ، وَمَنِ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنَيْهِ تِلْكَ السَّنَةِ كُلِّهَا» الْحَدِيثُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَزِيزٌ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أُخْرِجَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوَيَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ الْمُقْرِئُ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَمَا سَمِعْنَا بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُعْطِيَ ثَوَابُ مَنْ صَدَّقَ وَلَمْ يُكَذِّبْ.
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فَضَائِلِ الشُّهُورِ، عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ أَيْضًا، أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ انْتَهَى.
هَكَذَا أَقْتَصِرُ عَلَى حِكَايَةِ كَلامِ ابْنِ نَاصِرٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَأَمَّا فِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَرَوَاهُ بِسَنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي وَضْعِهِ، وَلَقَدْ أَبْدَعَ مَنْ وَضَعَهُ، وَكَشَفَ الْقِنَاعَ وَلَمْ يَسْتَحِي، وَأَتَى فِيهِ بِالْمُسْتَحِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ يَوْمٍ خَلَقَ اللَّهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
وَهَذَا تَغْفِيلٌ مِنْ وَاضِعِهِ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى عَاشُورَاءُ إِذَا سَبَقَهُ تِسْعَةٌ، وَقَالَ فِيهِ: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ. . .» ، وَفِيهِ مِنَ التَّحْرِيفِ فِي مَقَادِيرِ الثَّوَابِ الَّذِي لا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ: «وَكَيْفَ يُحْسِنُ أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ يَوْمًا فَيُعْطَى ثَوَابُ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ وَقُتِلَ شَهِيدًا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لأُصُولِ الشَّرْعِ» .
قَالَ: وَلَوْ نَاقَشْنَاهُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ لَطَالَ، وَمَا أَظُنُّهُ إِلا دُسَّ فِي أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ.
وَكَانَ مَعَ الَّذِي رَوَاهُ نَوْعُ تَغْفِيلٍ، وَلا أُحِبُّ ذَلِكَ إِلا فِي الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَدْ قَالَ فِي ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَاسْمُ أَبِي الزِّنَادِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكَوَانَ، وَاسْمُ ابْنِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لا يُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لا يُحْتَجُّ بِهِ، فَلَعَلَّ بَعْضَ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالإِلْحَادِ قَدْ أَدْخَلَهُ فِي حَدِيثِهِ، انْتَهَى كَلامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَةَ فِي الْفَتْوَى الَّتِي تَقَدَّمَ نَقْلُ بَعْضِهَا " وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ فَإِنَّهُ لا يَسْتَرِيبُ مِنْ تَدَبُّرِ هَذَا الْكَلامِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هَذَا لا يَجُوزُ أَنْ يَقُولُهُ مُؤْمِنٌ فَضْلا عَنْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْمُجَازَفَاتِ وَالْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ مَا لا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إِلا عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ.
وَذَكَرَ كَلامًا طَوِيلا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاصِرٍ قَالَهُ بِنَاءً عَلَى أَنْ رَأَى ظَاهِرَ حَالِ رِجَالِهِ السَّلامَةَ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ لا يُحْتَجُّ بِمُجَرَّدِ رِوَايَتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لا يَضْبِطُونَ حَدِيثَهُمْ، حِفْظًا وَلا كِتَابًا، وَلَكِنْ يُؤْتَى الرَّجُلُ بِجُزْءٍ فِيهِ سَمَاعِهِ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَالْعُمْرَةُ عَلَى مَنْ قَرَأَهُ، وَعَلَى سَمَاعِهِ الْمَوْجُودِ بِخَطِّ مَنْ تُعْرَفُ ثِقَتُهُ، فَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ لَمْ يَعْرِفْهَا كَمَا فَعَلَ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ بِرِجَالٍ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمُ ابْنُ نَاصِرٍ انْتَهَى كَلامُهُ.
وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَابْنُ تَيْمِيَةَ مِنْ مَوْضُوعٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّكَةِ وَالْمُجَازَفَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ