بعينه وأخذ يحدق في الأنابيب أنبوبة أنبوبة، فلما كبرت هذه الحبات في عينه تراءت قشوراً جافة صغيرة فأمسك كوخ وهو ذاهل بإحدى الأنبوبات، فنزع عنها سداد القطن الذي يسدها، ووضع فاها وهو غائب الفكر في اللهب الأزرق لمصباح بنسن ليعقمه، وأدخل فيها عوداً من البلاتين فلقط على طرفه حبة من تلك الحبات التي ظهرت على الفالوذج المصل، وهو يكاد يوقن أنها مكروبات. فوضعها تحت مكرسكوبه، وهو لا يكاد يدري ما وضع، ونظر فعلم أن البحث تجري طريقه شاقه في صحراء لفاحة جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، ولكن المسافر فيها يأتي الفينة بعد الفينة على واحة ظلها وارف، ونبعها بارد، وثمرها وفير مستطاب، نظر فعلم أنه هبط بعد الجهد والجلد على واحة من تلك الواحات، أفليست ملايين المكروبات هذه التي تكشف لبصره الآن هي عينها تلك البشلات الحنواء التي رآها في رئة ذلك العامل المسلول زمناً مضى، وتراءت له لا حراك بها، ولكنها حية بدليل تكاثرها، وتراءت له دقيقة صغيرة، رقيقة المزاج، أنيقة المطعم، سريعة الرغبة عما لا ترضاه منه، ولكنها مع هذا كبيرة النهم شديدة الفتك مخربة هدامة، أكثر تخريباً من غزاة التتر، وآكد في الموت من الحيات والأفاعي.