للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأجانب، لابسةً من عمل أيديها، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرة بقوتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجة بفرحين في دورها وأسواقها. فكأن العيد يوم يفرح فيه الشعب كله بخصائصه

وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها، وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة الفرح والبهجة، ويعلمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض الألفاظ التي فرغت عندهم من معانيها، ويبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه، لا عمل المنابذ لمنابذه. فالعيد يوم تسلط العنصر الحيّ على نفسية الشعب

وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت؛ فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لُتخرِّجَ عليها الأمثلة، فتجعل للوطن عيداً مالياً اقتصادياً تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصناعة عيدها، وتوجد للعلم عيده، وتبتدع للفن مجلي زينته؛ وبالجملة تنشئ لنفسها أياماً تعمل عمل القواد العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر

هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فُرض العيدُ ميراثاً دهرياً في الإسلام ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها وتقتضيه مصالحها

وما أحسب الجمعة قد فرضت على المسلمين عيداً أسبوعياً يشترط فيه الخطيب والمنبر والمسجد الجامع، إلا تهيئةً لذلك المعنى وإعداداً له. ففي كل سبعة أيام مسلمة يومٌ يجيء فيشعر الناس معنى القائد الحربي للشعب كله

ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع، لا رجال في أيديهم سيوف من خشب. . . .

مصطفى صادق الرافعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>