سباق الأمم الحديثة التي تزعم أنها تسير على هدى، وتدعي الحفاظ على الحق والسلام
ثم يمخر بنو الإنسان خضم الزمن حتى يصلوا إلى شواطئ العصور الحديثة؛ فإذا انتهت رسالات الدين التي نزلت على الشرق، بدأت في الغرب رسالات الدنيا، وبينا الناس (بأوربة) في ذهول وخمول، تنقض ظهورهم المظالم، وتكوي جلودهم المغارم، وبعضهم يرسف في الأصفاد بالسجون، كان جان جاك روسو ومنتسكيو وفولتير ينشرون الكتب ليبصروا الشعب باستبداد الملوك، واستعباد الأمراء، وإذا هم ثلاثة رسل للثورة الفرنسية، وإذا مداد دُوٍيَّهم، وصرير أقلامهم، ينقلبان بعد قليل إلى دوي مدافع وسيول دماء؛ ثم تسكن الفتنة، وقد أعلنت حقوق الإنسان
وتتفتح الأعين في أرجاء الأرض على ضوء الحرية، فتقوم رسلها في كل أمة، وتسري عدوى المساواة إلى كل ملة، ثم يجر ذلك إلى مغانم شتى، ومطامع قصوى؛ وبعد أن تصرم قرن والناس في بحران سياسة ملتوية، احتدمت الحرب الكبرى، فهزت العالم هزاً عنيفاً. فلما وضعت الحرب أوزارها قام الناس من وقعها الأليم كأنهم ينسِلون من القبور
وتقوى في الناس عقيدة الرسالة ويسمونها زعامة، فينهض في الهند غاندي بجسم ضئيل وروح جبار، فيهز سيدة البحار، ويظهر في الترك مصطفى كمال فيخلقهم خلقاً جديداً، ويطلع في الألمان هتلر فيعيدهم سيرتهم الأولى، وتضيق إيطاليا بموسوليني فيغزو الحبشة بناشئة الطليان
أما في الشرق، فيعين الله الشرق! لقد حمل الرسالة فيه بمصر سعد زغلول، فبعث العروبة من مرقدها، وأيدها بروح منه، ونادى في الشرق أن حطموا الأغلال فتنالوا الاستقلال
المصلحون في الدنيا كثير، وهم رسل لأقوامهم، وإذا رجعنا إلى التاريخ قرأنا فيه صفحات دامية عما يعانون في جهادهم لتحرير الرقاب العانية من رباق الجهل والوهم والاستخذاء والاستبداد
وبعد فالشاعر رسول يصور بشعوره الصادق آلام أمته، ويجلو آمالها بروح العبقرية والإلهام
والأديب رسول حين يوجه الناس في آثاره إلى سبيل الخير وطلب الحق ومعرفة الجمال
والمعلم رسول يثقف العقول ويهذب الأرواح، فيبني الأمم وينشئ الرجال