للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الرسالات]

للسيدة وداد سكاكيني

أتى على الإنسان حين من الدهر كانت تعبث به الأحداث، وتدور عليه الأفلاك، وهو في شرق الأرض تسوده الفوضى والجهالة، ويقوده الظلم والطمع؛ فكان كل امرئ ينتبذ مكاناً يحميه ويركن إليه هرباً من بطش فرعون وطغيانه الجارف

في ذلك العهد المظلم كانت امرأة مسلوبة الأمان، مشبوبة الفؤاد، تسير إلى جانب نهر زاخر، حاملة وليدها، حائرة في خطواتها، فأوِحيَ إليها أن تلقيه في اليم، وهي مطوية الحنايا على أمل باهر ووعد أكيد. . . ثم يأتي عهد يكون فيه موسى كليم الله ورسوله

حمل هذا النبي رسالة إلى بني إسرائيل، فانجلت غواشي الذلة عن عيونهم الدامعة، وتجلت لهم الحقيقة البارعة؛ لقد أنقذهم من جور الفراعنة، وأهدى إليهم الأمن والحرية، فتمت كلمة الله في أول دين هبط على الطور

ثم غبرت عصور وتعاقبت أحقاب، فإذا الرومان يعيثون في الأرض فساداً، ويملئونها حرباً واعتسافاً، وإذا كل قيصر جبار يستعبد الأمصار ويخرب الديار، فكانت الأفواه شاكية، والعيون باكية، تستغيث وتستجير، والأسماع المرهفة لا تبدي ولا تعيد، فأشفق الله على خلقه الضارعين وهو أرحم الراحمين؛ لقد أرسل إليهم عيسى بن مريم كلمته الخارقة، وأيده بروح القدس، فأقبل عليهم بدين الرحمة والمحبة والوئام، وخلص القوم من مظلمة الرومان ومرارة الحرمان

ولبث العرب في جاهلية جهلاء، ووثنية نكراء، وبؤس ملحف، وعيش مرهق، وقد كان قيصر الطاغي على عاتق من شبه جزيرتهم، وكسرى الباغي على عاتق آخر، وهم يُصْلون في أرضهم الجدباء نار الصحراء وشح الماء، فكان من رحمة الله أن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم؛ لقد طلع عليهم محمد بن عبد الله بهدى كبير وخير كثير، فأخرجهم من الظلمات إلى النور، ودانت له البداوة الأبية الشتيتة مجتمعة تحت راية القرآن، حتى بعثت من بطاحها القفراء ورمالها الرمضاء، إلى مدن ورحاب الدنيا حضارة وحرية وعلماً، فتهدّم مجد فارس، وتحطم عز الرومان، وأتم الله نعمته على العرب بدينه الحنيف، وإذا بفجر الإسلام الساطع يكشف الآفاق، ويشرق على الإنسان بنور الإخاء والحرية والمساواة، فكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>