للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هذه الألفاظ الأثرية]

للأستاذ أحمد رضا

تحت هذا العنوان كتب (الجاحظ) في مجلة الرسالة الغراء كلمة وصف بها ما اخترته من الأسماء للمعاني المستحدثة الطارئة. فقال إنها ألفاظ أثرية مجفوة ميتة، ولم أهتد إلى وجهة نظره في توجيه هذا النعت.

الآن هذا المختار غير مألوف في الذوق عنده أو عند أدباء هذا الدور من هذا العصر؟؟ ولماذا؟ والألفة الذوقية وحدها لا تكون ميزاناً للوضع والاختيار، وإلا لما كان من حاجة إلى الوضع، ولا سيما إذ كانت الكلمات المختارة فصيحة في أصلها جارية على ألسنة الفصحاء زمن ازدهار اللغة ونموها.

وربما كان المألوف لك عامياً صرفاً أو أعجمياً، فهل تفضله لمجرد الألفة وأنس الذوق به على الصحيح الفصيح لأنه غير مألوف؟ والألفة وأنس النفس إنما يكونان بطول الصحبة وكثرة المزاولة فحيث تكون كانتا.

أو لأن هذا المختار ألفاظا نابية في السمع لتعقد تراكيبها، وسماجة لفظها، وتنافر حروفها؟ ولست أشعر بشيء من ذلك فيما اخترته ولا نبه الناقد إليه.

انتقد (الدرمك) للدقيق المحور وهو لفظ فصيح استعمله فصحاء العرب بل جاء في كلام أفصح من نطق الضاد، فقد قال صلوات الله عليه في وصف الجنة (وتربتها الدَرْمَك) وفسره ابن الأثير في النهاية بالدقيق الحوَّاري.

وأنكر (الدّغْري) للحرب المفاجئة. وقد وردت في كلام فصحاء العرب من غير استغراب ولا استهجان ولا نكير (قالت امرأة من العرب لولدها: إذا رأت العين العين فدغرى ولا صفّي) تقول إذا رأيتم عدوكم فادغروا عليهم أي اقتحموا بغتة واحملوا ولا تصافُّوهم (كما في اللسان والأساس والتاج).

ثم هل ترى في مادة (د غ ر) أو تركيب دغر شيئاً من تنافر الحروف ونبوّ المخارج أو ما ينفر منه السمع، وهل فرق بينها وبين مثيلاتها كالدغم والرغم والوغم الوغر والرغد، فهل رأيت أحداً يشكو منها، أو يتأفف من مكانها في اللغة؟ أنكر إطلاق (الدَلَق) على ثوب القضاة والمحامين، والدلق دويبة كالسمّور تتخذ جلودها للفراء، واستعير لثوب القضاة لأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>