للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من التاريخ الاسلامي]

١ - الفردوسي

للأستاذ عبد الحميد العبادي

احتفلت الأمة الإيرانية في أكتوبر الماضي بذرى مرور ألف سنة على ميلاد شاعرها الأكبر ابي القاسم الفردوسي، وقد دام احتفالها نحو شهر من الزمان كانت إيران كلها فيه متصلة الأعياد بادية البشر والسرور. ولم تكن الحفاوة بتل الذكرى مقصورة على الايرانيين وحدهم، فقد شاركهم فيها العالم المتحضر شرقه وغربه، فأوفدت ثماني عشرة دولةكبيرة إلى إيران من يمثلها في الاحتفال بذكرى الفردوسي، وزاد بعضها من قبيل المجاملة للإيرانيين والمبالغة في تقدير شاعرهم فاحتفى بتلك الذكرى احتفاء خاصاً في عواصمه. فعل ذلك الألمان في برلين، والانجليز في لندن، والفرنسيون في باريس، والايطاليون في رومية. وعما قريب تحذو مصر حذوهم فتهب ذكرى الفردوسي أسبوعاً من الزمن يتحدث فيه بالقاهرة نفر من فضلائها عن حياة الفردوسي وشعره، وعن أثر قومه في عالم الفن والأدب

وأريد بهذه المناسبة أن أعرض في هذا المقال وفي مقال آخر آت ببيان وجيز لسبب حفاوة الفرس وغير الفرس بذكرى الفردوسي. وسنرى أن البحث سيكشف لنا عن شخصية فذة عجيبة حقاً. شخصية استطاعت من جهة أن تستنفذ قومية ولغة كان يتنازعهما البقاء والعدم، ومن جهة أخرى ساهمت بنصيب موفود في ميراث العالم الأدبي الباقي على وجه الزمان

هو أبو القاسم الحسن بن علي الفردوسي، وكلمة (الفرودسي) لقبه الشعري، فقد جرت عادة الفرس من قديم أن يخلعوا على شعرائهم ألقاباً خاصة كالدقيقي، وملك الشعراء، ومحكم الشعراء وهكذا. ولد على رأى بعض الثقات حوالي عام ٣٢٥هـ بقرية من قرى مدينة طوس بخراسان يقال لها (باز)، وورث عن أبيه ضياعاً كانت تغل عليه في صدر حياته كفايته من المال. وتعلم في حداثته ما كان يتعلمه أمثاله من ابناء الدهاقين في ذلك الزمان، فحذق الفهلوية والعربية، وشغف في صباه بقرض الشعر الفارسي والتوفر على مطالعة القصص الفارسي القديم. فأنشأ كل ذلك فيه اعتداداً بقومه واعتناقاً لمذهبهم الشيعي. وشدا

<<  <  ج:
ص:  >  >>