لما قامت الدولة العثمانية فاستولت على أسيا الصغرى والعراق العربي والشام وجزيرة العرب ومصر وشمال أفريقية تقطعت الأواصر العلمية والأدبية التي جمعت بين العهد العباسي بين المسلمين في الأقطار كلها من بخارى وسمرقند إلى القيروان ومراكش
اشتدت المنافسة الدينية والسياسية بين الصفويين في إيران وسلاطين آل عثمان في البلاد الإسلامية الأخرى وانتهت إلى العداء والحرب، فأقامت سدا منيعا بين مسلمي إيران وإخوانهم في الدين، فتقطع ما بينهم من روابط. فمسلمو الشرق الذين كان اهتمامهم بالفارسية يزيد يوماً بعد يوم بحكم الزمان، والذين كانوا ينصرفون عن العربية لزوال دولها المستقلة سلكوا طريقاً غير الطريق التي سلكها مسلمو الغرب تحت سيطرة الترك العثمانيين ولواء السلطان حامي مذهب أهل السنة والجماعة.
وكانت عاقبة هذا أن الإيراني حرم الاستفادة من المؤلفات التي كانت تكتب خارج حدود بلاده والكتب القديمة التي كانت مدخرة في غير وطنه. وكذلك حيل بين رعايا العثمانيين وبين آثار النهضة العلمية والأدبية في إيران. وزاد تعصب الفريقين هذه الفرقة على مر الزمان. واليوم وقد نهضت أهل مصر والشام لأحياء الآداب والمعارف الإسلامية، لا نزال نرى العلماء والأدباء على براءتهم من التعصب والحمد لله يهملون كل ما كتب بالفارسية - إحدى لغتي التمدن الإسلامي العظيمتين - ويصدفون عما كتبه علماء المذهب الشيعي - أحد المذهبين العظيمين في الإسلام. يتبين من مطالعة الكتب والمقالات التي يكتبها فحول الكتاب والمؤرخين في مصر والشام أنهم متمكنون في الآداب العربية وتاريخ الإسلام، بصيرون بكثير من الحقائق الراجعة إلى الإفرنج وآدابهم. حتى إذا عرض بحث عن إيران والآداب الفارسية، أو مذهب الشيعة كبا جوادهم وكثرت زلات أقلامهم. ونرى بعض هؤلاء