للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

ملتن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. .)

للأستاذ محمود الخفيف

- ٢٩ -

البطل الضرير:

وآن أنْ يتجه ملتن إلى الأدب بعد طول انقطاعه عنه، وكان يميل به إلى الأدب ما تنطوي عليه نفسه من حنين إليه شديد، ما برح يملأ خاطره كلما خلا إلى نفسه لحظة من السياسة ومشكلاتها وخصومتها، وتزايد هذا الحنين في نفسه إلى الشعر حين اطمأن قلبه من جهة إلى أنه أحسن البلاء فلم يعد يقوى على مجادلته خصيم، وحين توجس قلبه من جهة أخرى خوفاً من المستقبل، إذ كان يكربه إعراض الناس عن الجمهورية، وتزايد رغبة الكثرة في إعادة الملكية وإن كان لا يجرؤ أحد على الجهر بذلك؛ وكذلك دب إلى قلبه السأم من كرمول نفسه فيما يتصل بسياسته الدينية إذ كان كرمول لا يريد أن يتحول عن إقامة كنيسة تشرف عليها الدولة، ويكون لرجالها حقوق وامتيازات مالية؛ وكان ملتن شديد التمسك بفصل الكنيسة عن الدولة لأنه يعتقد أن قيام طائفة دينية تعتمد في حياتها على الدولة هو سبب ما يلحق بهذه الطائفة من فساد، ثم تكون هذه الطائفة بدورها السبب الأكبر في فساد الدولة. . .

لهذا رغب ملتن وقد أزعجه شبح اليأس أن يعكف على الشعر فلا تكون له إلى السياسة عودة، وقد جعل مرتبه معاشاً له مدى حياته فزالت مخاوف الرزق، والحق أنه بعد رده على مورس بات فيما يشبه العزلة، أما عمله الرسمي فكان نائبه فيه يؤديه عنه إلا إذا استدعى الأمر إشرافه، ولم يك ذلك في الأكثر إلا عند كتابة الرسائل الهامة باللاتينية أو ترجمة ما يرد منها إلى الإنجليزية وكان يستعان بغيره أحياناً فيما يتطلب الدقة والمراجعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>