للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المعتصم بن صمادح على فراش الموت]

للدكتور عبد الوهاب عزام

الأندلس في أمر مريج، زال عنها سلطان الخلافة فاضطربت، وفقدت رواسيها من بني أمية فمادت. وأصبحت كرقعة الشطرنج يتغالب الملوك على كل بيت فيها. كل قوي يحوز ما وسع حوله وهمته، والعيش غلاب. (والبر أوسع والدنيا لمن غلبا).

في هذا المعترك ملك محمد بن أحمد بن صمادح التجيبي (مدينة (وشقة) وملك بنو عمه مدينة (سرقسطة). ثم غلبوه على مدينته.

ثم ملك ابنه معن بن محمد مدينة (المرية) غصبها من عبد العزيز بن أبي عامر. وخلفه ابنه أبو يحيى المعتصم بالله وهو في سن الرابعة عشرة. نشأ في ملك ضيق الرقعة، فاستعاض منه سعة الخلق وبعد الهمة، وحلية العلم والادب، والسخاء الشامل، والجود العمم، حتى طاول المعتمد بن عباد كبير ملوك الطوائف ونافسه، وحتى قال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حينما لقيهما بالأندلس (هذان رجلا هذه الجزيرة).

قال ابن خلكان:

(وكان رحب الفناء، جزيل العطاء، حليماً عن الدماء، طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال، ولزمه جماعة من فحول الشعراء)

وقال الفتح بن خاقان:

(ملك أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في انتظام مجالسها واتسقها، وأوضح رسمها، وأثبت في جبين أيامه وسمها. لم تخل أيامه من مناظرة، ولا عمرت إلا بمذاكرة أو محاضرة. . . وكانت دولته مشرعاً للكرم، ومطلعاً لهمم، فلاحت بها شموس، وارتاحت فيها نفوس. ونفقت فيها أقلام الأعلام، وتدفقت بحار الكلام، كإجادة ابن عمار وإبداعه، في قوله معتذراً من وداعه.

أمعتصماً بالله والحرب ترتمي ... بأبطالها والخيل بالخيل تلتقي

دعتني المطايا للرحيل وإنني ... لأفرق من ذكر النوى والتفرق

وإني إذا غربت عنك فإنما ... جبينك شمس والمرية مشرقي

وكان المعتصم، كالمعتمد بن عباد، شاعراً مجيداً: كتب إلى الوزير الشاعر بن عمار؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>