كان الزوار جميعاً في ركن ملتفين حول هدى هانم شعراوي، وسيدتان مفردتان في ركن آخر تحومان حول التماثيل، إحداهما من أصحاب المعرض تشرح للأخرى الزائرة، فعرجت إليهما ووقفت على مقربة منهما أدعى أني أنظر في تمثال، بينما أنا أتسمع إلى ما تقولان، لأرى كيف تتحدث السيدات عن التماثيل. . .
ووقفنا أمام تمثال (المنجد). . . الزائرة تنظر إليه في حيرة كأنها تخاف أن تظهر الإعجاب به، بينما يكون هو مما لا يستحق الإعجاب، وتخاف أن تزدريه، بينما يكون هو من روائع المعرض فوقفت الزائرة ساكتة كأنها مستغرقة في تأمل التمثال، وكأنها ممن لا يتسرعن إلى إصدار الحكم على الأشياء لغرام عندها بالتحقيق والتدقيق، وتقليب أوجه النظر، واستقصاء المحاسن والعيوب، كيلاً يكون حكمها آخر الأمر إلا الحكم الفصل الذي لا يقبل النقض
ورأت صاحبتها أنها لو انتظرتها، حتى تقول كلمة في المنجد أو تعبره من غير كلام، فإنها قد تقضي الدهر واقفة مع زائرها وهي تمثال آدمي لطيف أنيق (أريستكرات)، ينظر إلى تمثال من حجر متواضع ديمقراط. . . فقطعت صاحبة المعرض هذه السكتة الباردة وقالت:
- مدهش التمثال. . .
. . . فبلعت الزائرة ريقها لأنها سمعت كلمة خرجت من فم صاحبتها وفي نبراتها معنى التأكيد فأدركت أن هذه الكلمة حكم على التمثال، ولكنها لم تلبث حتى زاغت روحها مرة أخرى كأنها لم تفهم ما إذا كانت كلمة (مدهش) هذه مدحاً للتمثال أو ذماً، وكادت روحها تتكاسل وتقنع بهذا الزيغ فتظل في التيه الذي انتقلت إليه حتى تستدرجها صاحبتها إلى عالمنا هذا بكلمة أخرى. . . غير أن الله ألهمها أن كلمة (مدهش) هذه قد مرت بها قبل ذلك فقلبت عينها في محجريها فاستدارتا فبان بياضهما وحده، واتجه إنساناهما إلى داخلها