صاحب هذه المشكلة رجل أعور العقل. . . . يرى عقله من ناحية واحدة، فقد غاب عنه نصف الوجود في مشكلته؛ ولو أن عقله أبصر من الناحيتين لما رأى المشكلة خالصةً في إشكالها، ولوجد في ناحيتها الأخرى حظاً لنفسه قد أصابه، ومذهباً في السلامة لم يخطئه؛ وكان في هذه الناحية عذاب الجنون لو عذبه الله به، وكان يصبح أشقى الخلق لو رماه الله في الجهة التي أنقذه منها، فتهيأت له المشكلة على وجهها الثاني
ماذا أنت قائل يا صاحب المشكلة لو أن زوجتك هذه المسكينة المظلومة التي بنيت بها، كانت هي التي أُكرهت على الرضا بك، وحُملت على ذلك من أبيها، ثم كنت أنت لها عاشقاً، وبها صبّاً، وفيها متدلهاً؛ ثم كانت هي تحب رجلاً غيرك، وتصبو إليه، وتفتتن به، وقد احترقت عشقاً له؛ فإذا جلَوَها عليك رأتك البغيض المقيت، ورأتك الدميم الكريه، وفزعت منك فزعها من اللص والقاتل؛ وتمد لها يدك فتتحاماها تحاميها المجذوم أو الأبرص، وتكلمها فتُحَمّ برداً من ثقل كلامك، وتفتح لها ذراعيك فتحسبهما حبلين من مشنقتين، وتتحبب إليها فإذا أنت أسمج خلق الله عندها، إذ تحاول في نذالة أن تحل منها محل حبيبهاً وتقبل عليها بوجهك فتراه من تقذّرها إياك واشمئزازها منك وجه الذبابة مكبّراً بفظاعة وشناعة في قدر صورة وجه الرجل ليتجاوز حد القبح إلى حد الغثاثة، إلى حد انقلاب النفس من رؤيته، إلى حد القيء إذا دنا وجهك من وجهها. . . .؟!
ماذا أنت قائل يا صاحب المشكلة لو أن مشكلتك هذه جاءت من أن بينك وبين زوجتك الرجل الثاني لا المرأة الثانية؟ ألست الآن في رحمة من الله بك، وفي نعمة كفّت عنك مصيبة، وفي موقف بين الرحمة والنعمة يقتضيك أن ترقب في حكمك على هذه الزوجة المسكينة حكم الله عليك؟
تقول: الحب والخيال والفن، وتذهب في مذاهبها؛ غير أن (المشكلة) قد دلت على أنك بعيد من فهم هذه الحقائق، ولو أنت فهمتها لما كانت لك مشكلة ولا حسبت نفسك منحوس الحظ محروماً، ولا جهلت أن في داخل العين من كل ذي فن عيناً خاصة بالأحلام كيلا تعمى