. . . . . ولابد من المضي في تكميل رأينا في المعلقات أن نعود إلى الكلام على مذاهب علماء الأدب، قدمائهم ومحدثهم في تسميتهم، فان الذي يراه أبو جعفر النحاس ليس كما ذكرناه في (الرسالة) وذكره غيرنا قبلنا فتأثرنا به، إن هذه القصائد سميت باسم المعلقات من قول الملك (علقوا لنا هذه وأثبتوها في خزانتي) فيكون أبو جعفر على هذا مشاركا لغيره من القدماء في قدم هذه التسمية، ولا يخالفهم إلا في توجيههم لها بأنها مأخوذة من تعليقها على الكعبة. ويذهب علماء العربية الأوربيون بفضل الرأي الراجح ألان في هذه التسمية، أنها حديثة مصنوعة في عصر التدوين أو قبله بقليل، وأنا ننقل هنا كلام أبي جعفر في ذلك لنرى مذهبه حقيقة فيه.
قال في افتتاح شرحه للقصائد السبع:(الذي جرى عليه أمر أكثر أهل اللغة في تفسير غريب الشعر، إغفال لطيف ما فيه من النحو، فاختصرت غريب القصائد السبع المشهورة، وأتبعت ذلك ما فيها من النحو، ولم اكثر الشواهد ولا انساب، ليخف حفظ ذلك ان شاء الله تعالى).
وقال في آخر شرحه لها:(فهذه القصيدة آخر السبع المشهورات، واختلفوا في جمع القصائد السبع، فقيل العرب كان أكثرهم يجتمع بعكاظ ويتناشدون، فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوها وأثبتوها في خزانتي. فأما قول من قال إنها علقت في الكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة، وأصح ما قيل إن حمادا الراوية لما رأى زهد الناس في الشعر، جمع هذه السبع وحضهم عليها، وقال لهم هذه المشهورات، فسميت القصائد المشهورة لهذا).
فهذا صريح في أن أبا جعفر لا يرى في المعلقات أيضا رأي من يذهب إلى تسميتها بذلك مأخوذة من قول الملك (علقوا لنا هذه) وإن كان يراه ارجح من رأى من يرى ان تسميتها بذلك مأخوذة من تعليقهم لها بالكعبة، فكلا الرأيين عنده مبني على ان هذه القصائد كانت مجموعة قبل جمع حماد لها، فكانت معروفة عندهم بهذا الاسم (المعلقات) أو غيره إن كان لها اسم غيره، لأن جمعها هو الذي يجعل لها وجوداً خاصاً تحتاج أن تتميز فيه إلى اسم من الأسماء.