يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من
سيرة هذا العصامي العظيم. . . . . .
- ٢٩ -
وكان لهذا القائد الذي بزغ نجمه شبه كبير بالرئيس في نشأته وفي كثير من طباعه، كلاهما واجه الحياة وهو في سن اللهو واللعب، وكلاهما شق طريقه فيها بنفسه فكان كالنبتة القوية المستقيمة التي تفلق التربة وهي بعد صغيرة، لا كتلك الألفاف الملتوية التي لا تعرف من معنى النماء إلا أن تتسلق على غيرها وهي في ذاتها هزيلة نحيلة. . .
كان جرانت كأبراهام قوة إرادة ومضاء عزيمة، وكان مثله يلم بما حوله من المشكلات إلماماً تاماً ويستوعب أجزاءها لا تفوته منها صغيرة ولا تستعصي عليه كبيرة، كما كان يعرف في كل موقف قدر نفسه لا يغتر ولا يزهى ولا يتضاءل ولا ينكص. . وهو إن لم تكن له سماحة الرئيس وعذوبة روحه، فقد توفر له الكثير من بساطته ووداعته. . .
كان جندياً في سني يفاعته، ثم انصرف عن الجندية إلى الزراعة حيناً ثم إلى التجارة بعد ذلك، وظل بضع سنين حائراً يضرب في الأرض في طلب الرزق. ولو لم تقم تلك الحرب الأهلية لما وعى التاريخ عنه إلا بقدر ما يعي عن الآلاف غيره من البشر اللذين يعبرون هذا الوجود وكأن لم يخلقوا!
وأحس لنكولن أن في هذا الرجل من الصفات ما يعد متمماً لصفاته، فهو متحمس سريع المضي إلى غايته إذا اتجه همه إلى أمر؛ وهذه الحمية يقابلها عند الرئيس الروية قبل البدء، والتمهل إذا مضى في سيره. . .
هذا هو القائد الذي أحس أبراهام أن سوف يكون على يديه النصر بعد تلك الهزائم الشائنة،