للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تأملات في الأدب والحياة]

للأستاذ إسماعيل مظهر

في اللغة العربية:

من المشكلات العويصة التي تواجهها اللغة العربية في هذا العصر، مشكل قلما انتبه له المشتغلون باللغة، لأنه يتعلق بموضوع لا يمكن يوماً ما أن يكون ذا علاقة بشئون الحياة العامة تلك الشئون التي يوجه لها الناس عادة معظم اهتمامهم، ويصرفون فيها أكثر مجهودهم، ويوجهون نحوها أخص عنايتهم.

ذلك بأن الموضوع الذي سنتكلم فيه له علاقة بنواح علمية صرفة، قلما يحتاج إلى النظر فيها غير العلماء المختصين، وندر أن يحتاج إليها كاتب أديب، أو شاعر مستجدد أو مستقدم. هذا بالرغم من أن أفق الأدب قد اتسع مداه، وتصور الشعر قد تعالى إلى أسمات لم يفكر فيها الأقدمون.

أما المشكل فينحصر في وضع أسماء عربية لأفراد الحيوان والنبات تعين الأشخاص والطبقات المختلفة بما فيها من الفصائل والعشائر والمراتب والأجناس والأنواع. ولقد كثر الجدل حول هذا الموضوع ولم يستقر الرأي فيه على شيء يصح الأخذ به؛ فإن لكل رأي من الآراء رأياً يناقضه، ولكل أسلوب من الأساليب التي قيل بها أسلوباً ينابذه، والأمر فوضى لا ضوابط له ولا حدود، ينتحيها المترجم أو واضع الاصطلاح، حتى يأمن أن يخرج له ناقد برأي جديد يسفه ما ذهب إليه. وكل ما لا حدود له، لا علم فيه. فالعلم أول شيء حدود وضوابط، هي أشبه بالمنطق عند القدماء. ومنطق العلم من شأنه البيان والتعيين فإن ما هو مدخول بشك ليس من العلم الثابت في شيء. فما بالك بمسألة علمية، كالتي نحن بصددها، لم يتفق باحثان على قاعدة واحدة يمكن أن تتخذ أساساً للنظر فيه؟

ظلت العربية واقفة وعجلة الزمان من حولها تدور، وتسارع دورانها في خلال القرنين الفارطين، حتى بعدت الشقة بين الحياة الجديدة ومطلوبات العلوم والفنون، وبين اللغة العربية، حتى أن الفرق ليروع كل واقف على حقيقة الهوة التي تفصل بين العلوم والآداب، وبين قدرة اللغة العربية على تأدية مدلولات مصطلحاتها في كلمات أصيلة مضرية الأصل أو صحيحة الاشتقاق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>