أعود اليوم إلى موضوع المسرح المصري، لأكتب في ناحية أخرى غير تلك التي تناولتها في مقالتي السابقة، ناحية كان لها أثر كبير في ركود ناحية المسرح. ويؤسفني أن أقول أن الممثل هو سبب هذا الموت أو ما يشبه الموت الذي حل بالمسرح.
كان في مصر نهضة مسرحية رائعة فيما قبل عام ١٩٣٠، وكان من أهم أسباب هذه النهضة تلك المنافسة القوية التي كانت قائمة بين الفرق التمثيلية المختلفة، فكانت كل فرقة تنتقي أحسن ما كتبه مؤلفو الغرب من مسرحيات، وأقوى ما يكتبه المؤلفون المصريون، بل كانت تجتذب إليها كبار الكتاب ليكتبوا للمسرح وذلك لتفوز بإقبال الجمهور دون الفرق الأخرى. وأظن أن الكثيرين منا يذكرون تلك المنافسة القوية بين فرقتي رمسيس وفاطمة رشدي، وتلك المنافسة الشديدة بين فرقتي الريحاني والكسار.
لم يكن التمثيل في ذلك الوقت قاصرا على لون بعينه، بل كانت المسارح المختلفة تعرض ألوانا شتى، من مآسي إلى ملهاة إلى أوبرا أو أوبريت، وهكذا كان الجو المسرحي جوا نابضا بالحيوية والنشاط.
أما بعد أن تكونت الفرقة القومية ثم المصرية فالحالة تغيرت وتطورت، ولم يكن هذا التطور نحو النهضة، وإنما حدث العكس، فقد انحط المسرح، وركدت ريحه، وحل به ما يشبه الموت إن لم يكن الموت نفسه.
وقد عجب كثير الناس كيف يموت المسرح بعد أن تكونت فرقة تعينها الحكومة بالمبالغ الطائلة نسبياً، وتجمع كل نابغة ونابغ من الممثلين؟ والحق إن هذه الأسباب نفسها هي سبب تدهور المسرح.
والمسألة بسيطة واضحة، فقد أحس الممثلون أنهم أصبحوا من موظفي الحكومة، ولم يعد أحد منهم يخشى على عيشه، فانتابهم الكسل، وفقدوا الدافع إلى العمل والتبريز، ولم تعد هناك فرقة أخرى تنافس الفرقة المصرية بعد أن جمعت أكثر الممثلين، فاحتكرت الفن، وأصبحت تعمل في السنة فترة لا تزيد عن أربعة أشهر أو خمسة، ثم يقضي أعضاؤها ما