(رسول الحرية إلى قومه، المجاهد الذي أبلى في جهاده مثل
بلاء الأنبياء)
للأستاذ محمود الخفيف
عول مازيني على استغلال هذا الحادث ليلفت الأنظار إلى حركته وأخذ ينشر الأحاديث عما يجب أن تسلكه الحكومة البريطانية تجاه الحركات القومية في القارة؛ وتزايد عدد محبيه في العاصمة الإنجليزية، وسعى كثير من ذوي المكانة والرأي إلى رؤيته؛ وكان الإنجليز يعجبون بمرأى هذا الزعيم الغريب في ملابسه السوداء ويرونه بمظهره وبما يرتسم على وجهه من سمات الصبر والعزيمة، ومن إمارات التعب وأثر الفاقة أقرب إلى القديسين منه إلى رجال السياسة.
وكان مازيني فضلاً عن اهتمامه بمسألة إيطاليا لا يفتأ يتصل بكثير من ذوي الأفكار الحرة في أنحاء القارة، يريد بذلك أن يزيد شعور القومية والحرية في أوربا نماء وانتشاراً، ليكون من حياته حرباً متصلة على الرجعية والاستبداد الغاشم؛ ولذلك يعد مازيني إلى جانب كونه زعيم إيطاليا من أكبر المؤثرين في نمو الحركات القومية في القرن التاسع عشر. وظل مازيني يشكو العسر وما يجره العسر من إبطاء في السير نحو هدفه، وكان يفكر في بعث حركة ثورية جديدة في إيطاليا يقودها بنفسه. فأوحى إلى بعض صديقاته من الإنجليز أن يقمن سوقاً إيطالية خيرية بدعوى جمع المال لمدرسته وكان يريد من وراء ذلك جمع مبلغ أهلي يسعى به إلى الوصول إلى غرضه، وافتتحت تلك السوق عام ١٨٤٧، ولكن ما جمعه من المال من ذلك المبلغ الأهلي الذي منى به نفسه لم يزد على مائة من الجنيهات!
وكانت الأنباء التي تأتيه من إيطاليا في ذلك العام تزيده غضباً ونكداً؛ فلقد اشتدت فيها دعوة المعتدلين، وكان هؤلاء المعتدلون فريقين: فريق الملكيين الداعين إلى الالتفاف حول شارل ألبرت ملك بيدمنت، وانتظار ما عسى أن تأني به الأيام؛ وفريق الاتحاديين المنادين ببقاء إيطاليا وحدات مستقلة بعضها عن بعض في شؤونها الداخلية مع ارتباطها في شؤونها