أصدرت الجمعية الجغرافية الملكية مجلداً جديداً من كتاب (البحر الأحمر والحبشة وبلاد العرب منذ العصر الغابر) ' ' ' بقلم المسيو (كامرر)؛ وفي هذا المجلد الجديد مباحث شائقة عن (حرب الفلفل) وعن اكتشافات البرتغاليين البحرية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر؛ ومن المعروف أن هذه الاكتشافات كانت ذات أثر فعال في تطور مركز مصر التجاري؛ لأنها لبثت عصوراً طريق الهند، ولبثت ثغورها مهبط هذه التجارة، فلما اكتشف البرتغاليون طريق الهند تحول قسم عظيم من تجارة الغرب إلى هذه الطريق الجديدة، وهجرت الطريق القديمة التي كانت تمر بمصر أو الشام، ودخل البحارة البرتغاليون الميدان وأنشئوا مراكز تجارية وحربية في موزنبيق وقاليقوط وجوا ومسقط وغيرها، وغزوا جزائر الهند الشرقية ووصلوا إلى شواطئ الصين؛ وانتبه سلاطين مصر لهذا الخطر المحدق بموارد بلادهم فتحالفوا مع البندقية على محاربة هذا الخطر لأنه يمس تجارتها أيضاً؛ ولبثت مصر مدى حين قابضة على مفتاح البحر الأحمر، ولكن البرتغاليين قبضوا على طريق الهند، ورأوا من جهة أخرى أن يغزوا البحر الأحمر فتحالفوا مع الحبشة، وكانت تخشى مصر؛ وأرسلت بعثة برتغالية إلى بلاط النجاشي؛ ولكن الحبشة لبثت حذرة من أولئك الأصدقاء الجدد ومن نيا تهم.
واستمرت المعركة مدى حين على سيادة البحر الأحمر والمحيط الهندي، وفي المشرق للاستئثار بغنم السيادة التجارية، ولعبت منتجات الشرق مثل الفلفل والبهار دوراً في هذه المعركة؛ وتخللتها معارك وأحداث بحرية عظيمة ما زالت مضرب الأمثال في الروعة والشجاعة.
ولكتاب مسيو كامرر مزية أخرى، هي أنه يتتبع تاريخ الآراء والتطورات الجغرافية في كتابه خلال هذه العصور؛ وهذه التطورات مشروحة بالخرائط والوثائق الوافية، وفيها خرائط قديمة كانت سرية لم تعرف في عصرها، لأن الخرائط التي كانت توضع عن الطرق البحرية في ذلك العصر، كانت كالخرائط الحربية يحرص أصحابها على سرها.
وقد زين الكتاب فوق ذلك بعشرات من الصور التاريخية الهامة.