للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[نحن والزمن]

للأستاذ عبد الرحمن شكري

مقدمة:

الزمن كما يفهم الإنسان فكرة من أفكاره، ونسبة ومقياس من صنعه، فهو يقيسه بإحساسه بأمور نفسه بالمرئيات والمحسوسات وما يعتريها من تحول؛ وفكرة الزمن هذه أمر نسبي شأنها شأن الإحساس بالحرارة والبرودة، أو بالأبعاد والحجوم والألوان والأشكال، ومن المستطاع أن يتصور العقل مخلوقاً آخر غير الإنسان يختلف في حواسه، فتختلف كل هذه الأمور في نظره عنها في نظر الإنسان، وهي أيضاً قد تختلف في نظر الإنسان في حالاته المختلفة من شقاء أو سعادة أو مرض أو صحة. والعجيب أن الإنسان في خياله ينسب إلى الدهر مثل هرمه لقدمه، فيصوره كأنه شيخ مفن في يده منجل يحصد به الناس والخليقة جيلا بعد جيل، والدهر خليق أن يمثل بفتى في ريعان الشباب. فالإنسان يهرم والدول تشيخ وتفنى، والأجيال تنقرض، والدهر هو الدهر، ومن أجل ذلك تصور بعض المفكرين الدهر كأنه زمن حاضر لا ماضي فيه ولا مستقبل، وأما الماضي والمستقبل ففي الناس، والحقيقة أن هذه الفكرة في كنه الزمن لا تختلف عن الأولى مادام الزمن نسبة يقيسها الإنسان بإحساسه، وإذا كان الزمن كذلك فمعاداة الناس للزمن معاداة لأنفسهم، ونسبتهم الحيف والظلم إليه هي نسبة الظلم إلى أنفسهم

(الناظم)

القصيدة: -

يُنْشِدُ البَحْرُ خَرِيرَ الحِقَب ... أم خفوقُ القلب نبضُ الزمنِ

أم ترى الأفلاك في دوراتهاَ ... رَتَّلَتْ منه خَفِيَّ اللَّحَنِ

فَرَش الناسُ له منهم وُجُوهاً ... خَدَّدَ الدهر بها ما خَدَّدَا

أثَرٌ في سيره مِنْ قَدَم ... جَعَّدَتْ ما كان بَضَّا أمردا

زعم الناس إذا أمضاهمُ ال ... دهر أَنْ امضوا من الدهر سنينْ

يستطيع البذل من يقوى على ... خَزْنِهِ هيهات ذا من هالِكين

<<  <  ج:
ص:  >  >>