للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على هامش الشؤون الخارجية]

الرفق بإيطاليا

للأستاذ علي إسماعيل بك

تعرض الدكتور محمد عوض محمد في عدد (الثقافة) الصادر في ٣ أكتوبر إلى (الرفق بإيطاليا) بعد هزيمتها، وعزا ذلك الرفق إلى نبالة أخلاق البريطانيين وكرمها الذي يقضي عليهم أن يمدوا أيديهم إلى العدو المهزوم بعد صرعه، والأخذ بناصره بعد خذلانه. وتبسط في الحديث عن تلك النبالة وعن ذلك الكرم مبدياً انهما كانا السبب في خلاف شديد ساد ردحاً من الزمن بين فرنسا وبريطانيا، حول معاملة ألمانيا بعد الحرب الماضية

وبعد أن دلل الكاتب على عاطفة الرفق عند البريطانيين بما اشتهروا به من حب العجماوات التمس لنفسه الاغتفار والغفران من مقابلة الرفق بإيطاليا بالرفق بالحيوان!

أما أن العفو من شيم الكرام الأنجلوسكسونيين فأمر قد أجمع عليه الجميع حتى خصومهم، وتدلل عليه طبائع الأفراد في بلادهم: فما دخل البريطاني ملاكمة وانتصر فيها على خصمه إلا كان أول واجباتها مصافحة ذلك الخصم بعد أن قيض الله له النصر

وما نازل غريماً في معركة انتخابية إلا نازله بأسلحة مشروعة لا غبار على استخدامها أمام الرأي العام؛ فإذا انتهت المعركة بادر لغريمه المخذول يتمتم في حياء كبير قائلا (آسف أنني انتصرت لأنك قمت بنصيب أكبر من الجهد، أو (هوذا الحظ الذي ساعدني على النصر) وما إلى ذلك من عبارات المجاملة التي تنم عن روح مرهفة الحس وشعور عريق في السراوة (الجنتلمنة)، وعواطف فياضة بالمدنية

ألا فليعلم حضرة الكاتب أنه مع الاعتراف الصادق بتلك الناحية من الخلق الأنجلوسكسوني، أقول ألا فليعلم أن الشؤون الخارجية وعلاقات الدول بعضها ببعض لا تقوم على شيء من هذا الذي ذكر بل قوامها قبل كل شيء ذلك الأساس الصخري الراسخ ما رسخت الأرض من المصلحة الذاتية وحدها دون مصلحة الغير

فهذا الرفق يدعو إلى كبير الأسف كما سترى

لقد دخلت إيطاليا هذه الحرب بفعل رجل واحد - هذا لا شك فيه - ومهما يكن من عيوب ذلك الرجل فقد كان له فكر ثاقب في تفهم سياسة بلاده الداخلية، ونظرة نافذة في وسائل

<<  <  ج:
ص:  >  >>