وأقصد بشهرزاد التي أتحدث الآن لقراء الرسالة عنها، مسرحية توفيق الحكيم الأخيرة
تلوتها للمرة الأولى فاغتبطت، وتلوتها للمرة الثانية فأعجبت، ثم جعلتها بعد ذلك سمير أويقات السأم، أتلو فيها بعض صحف من منظرها الثالث أو من منظرها الأخير، فأستريح للتلاوة وأبرأ من سأمي
ترى أيرجع الفضل في ذلك إلى فن الأستاذ توفيق الحكيم، هذا الفن الذي يقصد به لوجه الفن وحده، أم يرجع لما ينطوي عليه اسم شهرزاد من سحر قديم، سحر رد الملك شهريار عن قتل العذارى ألف ليلة وليلة، وأوحى بموسيقى شهرزاد الرائعة، وأصبح علامة على ما يجري في الظلام وتحت ستر الليل، وجعل المتحدثين يسكتون عن الكلام المباح كلما جل الأمر ودهي الخطب.
أريد أن أقنع بأن الفضل في اغتباطي ثم في إعجابي يرجع إلى فن الأستاذ توفيق الحكيم، هذا الفن الحديث الذي يجاري أحدث أطوار الفن في أوربا، مما تتبعنا نحن ولم نتمثل. وأقصد بنا نحن الذين تمثلوا الفن القصصي أو للفن المسرحي أو ما سواهما من صور الفن الغربي قبل الحرب. أما ما بعد الحرب فقد تتبعنا إلى حد أطوار الفن، ولكن ما دهمنا من مشاغل طغى على تمثيلنا إياها، وقد تنقل الفن بعد الحرب في أطوار شتى كان الأستاذ توفيق الحكيم مأخوذاً في تيارها أثناء مقامه بباريس، فلا عجب أن يتمثلها بل أن تتمثله، ولا عجب وله في الأدب المسرحي ما له من مواهب أن تدفعه ليخرج للناس مسرحيتيه أهل الكهف وشهرزاد.
وأنت تقرأ شهرزاد وتعيد قراءتها وتغتبط وتعجب ثم تسائل نفسك: ماذا فيها وما هي الفكرة التي تنطوي عليها؟ وقفت أمام سؤالك نفسك ولا تكاد تحير جواباً. بل لعلك تجد الجواب إذ تطرب بعد ذلك لسماعك لحناً من الموسيقى تهتز له جوانب فؤادك، وتشيع له الغبطة في أنحاء نفسك، ثم تسأل: ماذا في هذا اللحن وما هي الفكرة التي ينطوي عليها؟ وتستطيع أن تجيب بعد ذلك لا شيء ولا فكرة، وإنما هو الفن يغذي النفس بالغذاء الروحي الذي تصبو