للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خزانة الرءوس]

في دار الخلافة العباسية ببغداد

للأستاذ ميخائيل عواد

تمهيد

اشتهرت دور الخلفاء بكثرة المرافق، كالغرف والصحون، والرواشن، والحدائق، والبرك، والأحيار لأصناف الحيوان، والبساتين لأنواع الطيور، ومواطن الأنس والتنزه، وغيرها

وكانت الخزائن في طليعة ما تضمه دار الخليفة. وقد كانت متعددة متباينة. فللكتب خزانة، وللسلاح خزانة، ومثل ذلك قل عن الكسوة والفرش والسروج والأدم والبنود والمال والطعام والشراب والتجمل والجوهر والطيب وغيرها. (وكان الخليفة يمضي إلى موضع من هذه الخزائن؛ وفي كل خزانة دكة عليها طراحة، ولها فرّاش يخدمها وينظفها طول السنة وله جارٍ في كل شهر فيطوفها كلها في السنة)

وأمر هذه الخزائن وما تحويه من مختلف الأشياء مشهور معروف في كتب التاريخ والأدب، ولكن هنالك خزانة ندر ذكرها بين الخزائن، أمرها عجيب غريب، لم نسمع بها إلا في دار الخلافة العباسية ببغداد. تلكم هي (خزانة الرءوس)!

فلا سلاح فيها، ولا طعام، ولا شراب، ولا لباس، ولا كتب، بل كل ما فيها رءوس بشر، بدرت منهم إعمال أدت إلى قطف رءوسهم حين أينعت وإيداعها في هذا المستقر

والظاهر أن هاتيك الخزانة كانت واسعة، وضعت فيها الرءوس في أسفاط من البردي والخيزران ونضدت في رفوف

فبعد أن يؤتى بالرءوس، توضع بين يدي الخليفة فيشاهدها هو ورجال دولته، ثم تنصب أياماً على بعض المواطن البارزة من البلد؛ فيراها الناس وتكون عبرة لمن اعتبر، وتحط بعد ذلك، وتسلم إلى الموكل بأمرها فيعمل على إصلاحها وتنظيفها وتفريغ أمخاخها، ورفع باقي أجزائها المعرضة للتلف والفساد، ثم طليها بالأدوية القابضة الماسكة لضمان بقائها كالصبر والكافور والصندل، وإلصاق رقعة صغيرة على كل رأس كتب عليها اسم صاحبه، وتاريخ قطافه، وما جدر ذكره. وقد أضيف إلى بعضهم العبارة التالية: (هذا جزاء من

<<  <  ج:
ص:  >  >>