تسمع قلبه يخفق، وتصغي إلى ضميره يهتف، فتعرف أن الشك قد فتح في قلبه الذي يريد ألا يحس شيئاً جراحات لم تفقده الحياة ولا يرجى له منه شفاء. (وباطلاً ترتسم الابتسامات على شفتيه، وباطلاً يتحرى الطرب عن سبيل ينفذ منه إليه في الليالي التي يثور فيها قلقه)، ويشبه نفسه بذلك الإكليل الغض ظاهره، الذاوي باطنه، وإزاء هذا الشقاء قد نراه ينتفض كالجبار فيقول بلهجة صارمة (ليقل عني من رآني حاني الجبين ومن أورثه قلق نفسي ضعفاً)
إن الشاعر لا يعاند في احتمال الشقاء، ولكنه يريد أن يقابله وهو قوي لا ذليل مستكين، يريد أن يصبر عليه كما يصبر الرجل عند البلاء، يريد أن يموت كالسراج الذي لا ينطفئ حتى يشيع ما حوله بشعلة ساطعة يختم بها حياته، ولكن هذه الانتفاضات المؤقتة سرعان من تتلاشى ليبدو وراءها (بيرون) نفسه.
يقول هارولد (إن آلامنا العاصفة تترك وراءها أثراً بعد ذهابها: قليل من شيء يسقط على ذلك القلب فيهزه إلى الأبد وقد يكون هذا الشيء نغمة شائعة، أو رنة موسيقية، أو ذكرى ليلة من ليالي الصيف، أو ربيع بهي، أو زهرة أو ريح، أو البحر الذي يفتح على حين فجأة جراحاتنا)
وراء هذه الخاطرات يكمن بيرون الذي يصف نفسه ونفوس كثيرين مثله، فهو سئم من الماضي القاتم، وهو شاك من الحاضر الظالم، ويائس ناقم من الغد القادم. تقرا في أسارير وجهه المتجعد هذه الآيات التي كانت كل همه في الحياة.
وروح بيرون هل ارتاحت إلى شقائها أو غلب عليها أمل في غد هو أزهى من الحاضر؟ وإنما يهمها من ذلك الغد أن تجتمع فيه إلى أحبابها وأصدقائها.
(وما عسى يحول إليه هؤلاء الأحباب المختفون؟ وهل نراهم بعد أن تواروا في الثرى؟ ألا يبقى منهم شيء غير الأسماء المنسية؟)
وقف بيرون على قبر صديق له مات في مقتبل عمره وقال: (هل يمكنني أن أومن أنك