لن نتحدث هنا عن الرواية في عصر حماد من حيث هي رواية مستقلة لها مظاهرها الخاصة، وإنما سنتحدث عنها من حيث هي طور من أطوار الرواية العربية. ومعنى هذا أننا لن نفصل بينها وبين أطوار الرواية العربية قبلها، وإنما سنتحدث عنها وعن تلك الأطوار معاً. ونحن نقصد من هذا إلى أن نفهم هذه الرواية على وجهها، وان نتفهم المقدمات التي أدت إليها.
بدأ العرب يدونون شعرهم في أخريات القرن الأول للهجرة، وليس معنى هذا أنهم كانوا يجهلون الكتابة قبل هذا التاريخ، فقد كانت الكتابة معروفة لديهم قبل الإسلام بزمن طويل تدلنا على هذا تلك (المخربشات) التي تسمى خطأ بالنموذجية واللحيانية، وتلك (المخربشات) التي عثر عليها في الصفا بجوار دمشق؛ وهي كلها مكتوبة بخط ينتمي إلى الخط العربي الجنوبي. ثم هناك نقش النمارا بسوريا، الذي نجده على قبر امرئ القيس بن عمرو اللخمي، والذي هو مكتوب بالخط النبطي المشتق من الأرامي؛ وهو يرجع إلى سنة ٣٢٨ م. تدلنا هذه الآثار كلها على أن الكتابة كانت معروفة لدى العرب قبل الإسلام. لكن هذه الكتابة لم تكن صالحة لأن تدون بها الأشعار؛ فقد كانت لا تعبر عن الحركات الممدودة، كما كانت خالية من الإعجام. إنما أدخل الاعجام على الكتابة في أيام الحجاج فانتقلت به الأبجدية من ١٥ حرفاً إلى ٢٨ حرفا؛ كما أن نظام الحركات لم يستقم إلا بعد أيام الحجاج بزمن طويل.
قلنا إن الكتابة العربية لم تكن صالحة لأن تدون بها الأشعار. ولكننا نجد الأستاذ بروكلمان (تكملة الجزء الأول من كتابه صـ ١٣١ - ١٣٢) يرى أن الخط النبطي الذي كتب به نقش النمارا ربما اصطنع في أمور الحياة الخاصة، وربما دونت به قصائد الشعراء النصارى بالحيرة؛ ويصل من هذا إلى أن مرجليوث وطه حسين قد حادا عن الصواب