حقاً أن هلن كلرن الدكتورة في العلم والفلسفة أعجوبة أمريكية تفوق جميع عجائب أمريكا التي هي مجموعة عجائب العالم في هذا العصر.
هذه مرأة مرضت في النصف الأول من عامها الثاني ففقدت جهازي عصبها البصري والسمعي فأصبحت عمياء صماء بكماء. بكماء لأن الإنسان لا يمكن أن يتكلم إذا لم يسمع، يعني أنها فقدت الحاستين الرئيستين من حواسها الخمس، فلم يبقى لها إلا الذوق وهو حاسة يندر أن تستفيد منها في التفاهم، وحاسة الشم وقد تستفيد منها جزءاً يسيراً من الفهم والتفاهم، وحاسة اللمس أو حاسة التحسس في أناملها وكفها وظاهر جسمها. ولذلك انتقلت حاستا البصر والسمع إلى أناملها وكفها وسائر بشرتها ثم إلى جميع بدنها فأصبح التحسس هو الشعور الرئيسي عندها، وإنما كان لها من قوة العقل وشدة الذكاء ما يمكنها أن تقرأ وتكتب (بقلم الرصاص)، وأن تقرأ في كتب العميان بلمس الحروف الناتئة، وأن تقرأ نقراً من أصابع معلمتها وسائر أهلها وذويها، وتخاطبهم بحركات أناملها على أكفهم. وأخيراً تعلمت أن تلفظ الكلمات التي يفهمها الذين يلازمونها ويعاشرونها هذا ما يدهش له الناس في الغرب والشرق ويعجب به الأمريكان وهم منشئو أمريكا الحديثة أم العجائب، فلا بدع إذن أن ندهش نحن إذ نرى هذه المرأة وهي تخاطبنا عن يد سكرتيرتها وأن لا يصدق بعضنا أنها عمياء صماء، وأن يضنوا أنها ألعوبة أمريكية للدعاية، وليس في الدنيا فكرة أسخف من هذه الفكرة.
أجل هي أعجوبة الزمان. وربما كان أعجب منها أو مثلها عجباً معلمتها السيدة سوليفان التي لازمتها ١٦ سنة إلى أن أخذت درجاتها العلمية العالية.
مس سوليفان مولودة في سبرنفيلد من ولاية كاستشوتس التي فيها مدينة بوسطن المشتملة على جامعة هرفود المشهورة. وهذه السيدة في أول عمرها أصيبت بمرض أفقدها بصرها، ولكنها لم تدخل معهد العميان إلا في الرابعة عشرة من عمرها. وبعد حين عاد إليها بعض بصرها، وبقيت في المعهد إلى أن أتمت علومها وبدا منها ذكاء حاد باهر، وقدرة فائقة على