للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفكرة العربية وحاجتها لمذهب سياسي فلسفي]

تعليق على مقال

للأستاذ أحمد رمزي

أثار مقال الأستاذ عبد المنعم خلاف بعدد (الرسالة) الماضي حول الجامعة العربية وضرورة قيام فلسفة خاصة بها الكثير من الشجون، وأحيا لي ذكرى فترات من الماضي القريب، فرجعت إلى صفحات مطوية من مذكرات يومية وتقارير سياسية، لألمس مرة أخرى المصاعب والمشاكل التي وقفت في طريق الفكرة العربية بمصر، وما لقيه أنصارها من عنتٍ ومصادمة، وما واجه كل مؤمن بها مجاهد لأجلها من صدٍ عنها وتحويل عن طريقها السوي.

ونعيد النظر اليوم إلى ما وصلت إليه وما حققت من أهداف، فنفرح مع الفرحين ونتهلل، وتمتلئ نفوسنا إيماناً من جديد وثقة وأملاً في المستقبل، ونحمد المولى جل وعلا أن ظهرت جامعة الأمم العربية كعامل مستقل من العوامل التي سيحسب لها في شؤون العالم وأموره حساب، وذلك ما أشرنا له ونادينا به وتحملنا الكثير من الأذى في سبيل الوصول إليه.

وكلما رجعت بالبصر إلى الوراء، وقست المراحل التي قطعت، والعقبات التي أزيلت، مع قصر الوقت وضعف الجهود، ازددت يقيناً على يقين بأن نجاح الفكرة العربية بمصر ونضوجها وإيمان الناس بها: هي نفحة من نفحات الله، وإن هذه الحركة المباركة ليست من عمل الإنسان، بل يد الله فوق الجميع، هي التي هيأت لها الأسباب وجمعت لها القلوب، ودفعت بالفكرة دفعاً إلى الأمام فآمن بها جماعات من الناس، واقتنعوا بها أفواجاً، بعد أن كان اللائذون بها يعدّون على الأصابع.

وكان من دلائل الساعة وإرادة الله أنه ما ارتفع صوت ضدها إلا وانضم في النهاية إليها، وما جُرّد قلم لمحاربتها والحط من قٍيمٍها ومبادئها إلا وانطوى تحت لوائها، وأصبح بوقاً من أبواقها، وسيفاً من سيوفها.

فلا فضل لأحد على العروبة بمصر، وإنما هي إرادة الله، ولا راد لحكمه، سبحانه إذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب. هذا هو إيماني، وتلك هي عقيدتي.

ومن الناس من يقول: إن الدفعة المصرية نحو العروبة مفتعلة وغير دائمة ولا جذور لها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>