لم أشك مطلقا في أن الدكتور زكي مبارك كان يمزح حينما شكا من التضييق على حرية الفكر في زمننا هذا. وفي أن تباكيه على حرية الفكر في العصر الذهبي للتصوف الإسلامي كان دعابة ظريفة من دعاباته التي لا تنفد. . . وذلك أن الدكتور زكي رجل قوي الذاكرة. ولا يمكن أن يكون قد نسي ما نقله في كتابه العظيم الخالد عن التصوف، عن كتاب اليواقيت للشعراني، حيث قول:(ج١ ص١٩٣)
(ولا يخفى ما قاساه الإمام أبو حنيفة مع الخلفاء، وما قاساه الإمام مالك واستخفاؤه خمساً وعشرين سنة لا يخرج لجمعة ولا جماعة، وكذلك ما قاساه الإمام الشافعي من أهل العراق، وأهل مصر وكذلك ما قاساه الإمام أحمد بن حنبل من الضرب والحبس، وما قاساه البخاري، حين أخرجوه من بخارى إلى خرتنك
(وقد نفى أبو زيد البسطامي سبع مرات من بسطام بواسطة جماعة من علمائها؛ وشيعوا ذا النون المصري من مصر إلى بغداد مقيداً مغلولاً. وسافر معه جماعة من أهل مصر يشهدون عليه بالزندقة. ورموا سمنون المحب بالعظائم، ورشوا امرأة من البغايا فادعت عليه إنه يأتيها هو وأصحابه، واختفى بسبب ذلك سنة. وأخرجوا سهل بن عبد الله التستري من بلده إلى البصرة ونسبوه إلى قبائح وكفروه مع إمامته وجلاله، ورموا أبا سعيد الخراز بالعظائم، وأفتى العلماء بكفره بألفاظ وجدوها في كتبه، وشهدوا على الجنيد بكفره مراراً حين كان يتكلم في التوحيد على رؤوس الأشهاد. فصار يقرره في عقر بيته إلى أن مات
(وأخرجوا محمد بن الفضل البلخي من بَلْخ لكون مذهبه كان مذهب أهل الحديث من إجراء آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها بلا تأويل والإيمان بها على علم الله فيها، ولما أرادوا إخراجه قال: لا أخرج إلا أن جعلتم في عنقي حبلا ومررتم بي في أسواق البلد، وقلتم هذا مبتدع نريد أن نخرجه من بلدنا، ففعلوا ذلك وأخرجوه، فالتفت إليهم وقال: يا أهل بلخ، نزع الله من قلوبكم معرفته! الخ. . .
(وأخرجوا أبا عثمان المغربي من مكة مع كثرة مجاهدته وتمام علمه وحاله، وضربوه