صديقي رجل أرضى مغرق في أرضيته. . . نحرص عليه فهو من أنجب محبيها، ويحرص عليها فهي في عينه طريق اللقمة إلى جوفه، واللذة إلى جسده، والقرش إلى جيبه. . . وتفكيره لا يذهب به إلى أكثر من لقمه ولذة وقرش، وحياته أو الحياة كلها في راسخ عقيدته هي هؤلاء الأرضيات الثلاث؛ فالأرض إذن هي الحياة، فهو متمسك بها تمسكه بالحياة، حريص عليها حرصه عليها، فما يمتد له خلفها شدف ولا يلوح له بعدها غاية. . . هو صديق لأن طرق الحياة كثيراً ما ترمي بالند إلى غيره نده. فنحن مختلفان مزاجاً، مفترقان رأيا، مجتمعان في صداقة أشبه ما تكون بتلك القائمة بين الشيوعية والديمقراطية، ولكننا لا نشبه هاتين الجبهتين في سوء الطوية وسواد السريرة. . . وصديقي متبجح. . . فهو لا يخزى مطلقاً أن يعرض آراءه ويدافع عنها وكأنها مثل العالم الرفيعة، بل هو يريد أن يسير على هداه الأغبر، فهو ما يزال يندد بأفكاري الصبيانية الصغيرة في سخرية تواتيه على سليقة.
لنا مكان يجمعنا فكأننا كلنا أصحابه، لا يدور فيه غير النقاش، ولا نقاش يدور به إلا وهو محتدم ولا انتهاء لنا إلا بافتراق الرأي وتباين الفكرة وصفاء النفس. وان أحدا منا لا يحاول أبداً أن يقنع أو يقتنع؛ وإنما نلقي بأقوالنا لمجرد إلقائها، فإذا جاء صديقي هذا كنا جميعاً على جانب وكان هو في الجانب الآخر متمسكاً بأرضيته لا يحيد عنها ولا تتخلى عنه.
وكان أن جاء وأحد الصحاب يتكلم في الأدب، فقعد يستمع وطال الحديث ودار النقاش وهو صامت لا يمد إليه لساناً. . . فسأله أحد الجالسين:
- خيراً. . . تصمت لأول مرة في حياتك. . . فما خبرك!