[بقية من لغو الصيف]
للدكتور طه حسين
ليتك لم تأمري وليتني لم أطع. فمن صواب الناس ما يكون خطأ،
ومن خطأ الناس ما يكون صوابا. والمرء بخير ما عرف لنفسه قدرها
ولم يعد بها حقها، ولم يكلفها الحياة في النجوم، وقد خلقت لتحيا في
الأرض. ولقد حاولت في غير طائل أن أعرف ماذا كنت تنكرين من
صحبتنا في بلاد الغربة. فقد كنا نلتقي ونفترق لا يكون بيننا إلا حديث
نقي بريء فيه ذكر للأدب والأدباء، فما زلت تحبين ذلك وتظهرين
كرهه، وما زلت تسرين الرغبة فيه، وتعلنين الضيق به حتى ملأت
صدري ضيقا بنفسي، وحرجا بمكاني منك، وخيلت إلي أني أثقل
عليك، وأكلفك من صحبتي مالا تطيقين، حتى إذا كان ذلك اليوم وليته
لم يكن تقدمت إلي في الرحيل فامتنعت عليك وأسرفت في الامتناع،
والحت أنت وأغرقت في الإلحاح، ولم أجد بدا من الطاعة وان كنت
لها لكارها، ولم تجدي بدا من المضي في الأمر، وان كانت نفسك
لتحدثك في العدول عنه. ولم أكد استقر في باريس، ولم تكادي تستقرين
في مدينتك الجامعية الصغيرة حتى اتصلت بينك وبين هذه الكتب
والرسائل التي لا أستطيع أن أصفها بأقل من أنها برهان قوي ساطع.
على أننا نخدع أنفسنا عن أنفسنا. ونتكلف في أرضاء الناس
وأوضاعهم ما لا يحفل به الناس، ولا يلتفتون إليه، وما لا نحتمله
نحن إلا في جهد جاهد وعسر لا حد له.
والآن وقد أضعنا من حياتنا أياما طوالا كنت تترددين فيها على حجرات الدرس في