سألني الأستاذ أحمد أمين من أيام عن فكرة غريبة قال إنها جالت بخاطره؛ وخاطره هذا كنز لا يفنى من الأفكار الغريبة. قال:
(ترى ماذا يفعل الإنسان إذا علم أنه سيموت بعد عام؟) فقلت له: الجواب يتوقف على معرفة نوع هذا الإنسان وطبيعته وعلمه
فقال:(أنا وأنت مثلاً. ماذا كنا نصنع؟)
فأجبته على الفور:
أنا وأنت؟ كنا ننكب في الحال على التأليف والكتابة ليل نهار. فقال في دهشة:
- كنت أحسبك تقول العكس، وترى أن قرب الموت قد يجعلنا نطلّق العمل ونفزع إلى حياة اللهو والمتعة، أو على الأقل حياة الهدوء والراحة
- نحن يا صديقي نفعل ما يفعله كل أب بار. فما الذي يصنعه الأب البار بأبنائه حينما يدنو منه الموت؟ ألا يتمنى أن يتركهم وقد اكتمل نضجهم؟ ألا يفكر ليل نهار في إتمام تربية هذه الأكباد حتى تقوى على المشي فوق الأرض؟ وأنا وأنت لسنا أكثر من آباء، لنا أكباد تمشي لا على الأرض. . . لكن على الورق. . . فكيف نموت وفي خزائن أحدنا صفحات من كتاب لم يكتمل في (ضحى الإسلام) أو في (النقد الأدبي)، وعلى مكتب الآخر قصص تعج بأشخاص نصف أحياء يطالبون بحقهم في الحياة، ويمسكون بتلابيب (مؤلفهم) لا يدعونه يموت قبل أن ينفخ فيهم بعض الروح؟ إنه ليخيل إليّ أحياناً أن حياتنا متصلة بحياة إنتاجنا، وأن في أعماق كل (خلاّق) شبه غريزة داخلية تدفعه إلى الإنتاج البطيء أو السريع طبقاً لطول حياته أو قصرها. إنا قد بعنا أنفسنا لشيطان (التأليف)، ولن يتركنا هذا (الشيطان) في راحة إلا عندما نلفظ النفس الأخير.