[من وحي بغداد]
من جحيم الظلم في القاهرة إلى سعير الوجد في بغداد
للدكتور زكي مبارك
وَفَدْتُ عَلَى بغدادَ والقلب مُوجَعٌ ... فهل فرَّجتْ كَربي وهل أَبْرَأَتْ دائي
تركتُ الخُطوب السُّودِ في مصرَ فانبرتْ ... سِهاَم الْعُيُونِ السُّودِ تَصْدَع أحشائي
تركتُ دُخَاناً لو أردتُ دفعتُهُ ... بعَزْمة مفْتُول الذَّراعين مضَّاء
وجئتُ إلى نارٍ سَتَشْوي جَوَانحي ... وتصْهَرُ أضلاعي وتسحق أحنائي
فيا ويح قلبي عضَّه الدهر فاكتوى ... بلَفْحَةِ قَتَّالَيْن: جَوْرِ وإصباء
سمعتُ حَماَماتٍ يَنُحْن فَعَزَّني ... حَنيني إلى صحب بمصرَ أَشِحَّاء
هُمُ أسلَمُوني لا عفا الحبُّ عنهمُ ... إلى ليلةٍ من غمْزَةِ الُحْزن لَيْلاء
أُنادِمُهُم بالوَهْم والقلبُ عارفٌ ... بأني لَدَي كأسٍ من الدَّمُع حمراء
شربتُ الأسى صِرْفاً فثارتْ مدامعي ... تذِيعُ حديثي في الغرام وأنبائي
أنا الطائرُ المجروحُ يَرْميه بُؤْسُهُ ... لشقْوَتِه ما بَيْنَ نارٍ وَرَمْضاء
فإن عشْتُ آذتْني جُرُوحي وإن أَمُتْ ... شَوَتْنيَ في الأرواح نيرانُ بأسائي
أحبَّايَ في مصر تعالَوْا فإنني ... أُوَدِّعُ في بغدادَ أُنسي وسَرَّائي
تعالوْا أَعِينوني على السُّهد والضَّنَى ... فلم يَبْقَ مني غَيْرُ أطياف أشلاء
تعالوا أُحدَّثْكم ففي القلب لَوْعَةٌ ... هي الجاحمُ المَشبُوبُ في جَوْف قصْباء
تعالَوْا تَرَوْا بغدادَ أَغرتْ بمهجتي ... نُيُوبَ المنايا في صَبَاحي وإمسائي
أحبَّايَ في مصر، وَهَلْ لي أَحِبَّةٌ؟ ... أحباي في مصر تعالَوْا أَحبائي
تعالَوْا إلى بغدادَ تَلْقَوْا أخاكم=صريعَ خُطُوب ينَتْحَيِن وأرزاء
تعالَوْا تَرَوْني في صروفٍ من الجوى ... تهدّم بُنْياَني وَتَنْقُضُ حَوْبائي
عفا الحبُّ عن بغدادَ، كم عِشْتُ لاهياً ... أكاثرُ أيامي بليلَى وظمياء
فكيف وقعتُ اليومَ في أَسْرِ طِفْلَةٍ ... مكحَّلةٍ بالسحر ملثوغةِ الراء
أصاولُ عينيها بعينيَّ والهوى ... يُشِيعُ الْحَميَّا في فؤادي وأعضائي
وأشهدُ أطياف الفراديس إن بدتْ ... تراودُ أحلامي مزاحاً وأهوائي