في مقدور شبابنا اليوم ولاشك أن يتعلموا في مصر تعلماً صحيحاً بفضل الجهود التي بذلتها حكوماتنا في السنوات الأخيرة لاستجلاب الفنيين والأساتذة الأعلام من الخارج. . حتى زادت بفضل ذلك نسبة المتعلمين في مصر زيادة عظيمة، وهو أمر محمود بطبيعة الحال، ولكن. . . مما يؤسف له عدم اكتراث أولياء الأمور المسيطرين على تربية النشء بتنمية الذوق. . . أجل، الذوق أهمل أمره في مصر إهمالاً شائناً. . . إنهم يزوّدون الشباب بمختلف العلوم، ليدخلوا بها الحياة، ولكنهم لا يحببونهم في الحياة نفسها. . إنهم لا يرشدون الشباب إلى ما في الحياة من أسباب الجمال، مع أن الحياة الخالية من الجمال هي طعام خالٍ من الملح. . .
يجب أن يتذوق الناشئ ما في الطبيعة التي تحيط به من جمال رائع، لأنه كلما أنعم النظر فيها، وتذوق جمالها، ازداد عبادة للخالق تعالى وتقرباً منه، فاستقامت بذلك أخلاقه بلا حاجة إلى واعظ أو مرشد. . .
على طالب النبات قبل أن يدرس السماد الكيماوي الذي يزيد في إنتاج زهرة ما، أن يشم عبق هذه الزهرة، وأن يملأ ناظريه من ألوانها البهجة. .
كذلك على طالب علم الفلك المنهمك في تقدير عمر القمر، أن ينظر قبل هذا إلى جمال خيوط القمر الفضية وهي منعكسة على سطح الماء، أو على رمال الصحراء، وقد تلألأت كالماس النقيّ.
كذلك يجب أن يرشدوا النشء إلى ما في الطبيعة من تآلف رائع غريب في الألوان، سواء في الزهور أو في الحيوان. . حتى إذا كبر الطفل. . صار ذوقه سليماً، فلا يلبس مثلاً حذاء أبيض على رداء أسود. . .
كذلك ليتهم أرشدوا الأبناء إلى العناية بالطعام! يجب أن يتعوّدوا تنسيق المائدة بالأزاهير الناضرة، حتى يدخلوا الغبطة على قلوبهم. أليس لنا أسوة في آبائنا الأولين - المصريين القدماء - الذين كانوا يتناولون الطعام على أنغام الموسيقى الشجية. تلك العادة اللطيفة التي ورثها عنهم الأوربيون؟. .