(قمة من القمم الشوامخ في أدب هذه الدنيا قديمه وحديثه)
للأستاذ محمود الخفيف
فتى حائر
كان ليو في نحو الثالثة عشره من عمره حينما انتقل مع اخوته إلى قازان؛ وكان جدهم أحد حكام قازان من قبل فكان الصبية ملحوظي المكانة في مضطربهم الجديد وكان يصحب كل صبي منهم خادم خاص جيء به من بين عبيدهم في ساسنايا، وترفع الصبية عمن حولهم من الناس إلا من كانت لهم مثل مكانتهم ولذلك قلت خبرتهم بقازان وأهل قازان. . .
وكانت عمتهم يوشكافا التي يعيشون يومذاك في رعايتها طيبة القلب ولكنها لم تكن على قدر من الثقافة كبير، وكان زوجها من ذوي الثراء يجعل أكثر وقته للموسيقى ولعب الورق إليها؛ ولذلك كثيراً ما كان يغشى بيته جماعات من أصحابه وكثيراً ما صرف الصبية عن الجد من الأمور مشاهدتهم هذه الجماعات وأوحى إلى نفوسهم اللعب واللهو فكان لذلك سوء أثره في دروسهم.
ولكن ليو لا يسرف في ذلك إسراف اخوته، بل انه ليميل إلى مجافاتهم إلى حد ما منذ أن رآهم يتغيرون عما ألفهم، ورأى في أذواقهم وميولهم ما يحس أنه غريب عليه جديد عليهم وما لا يسمعه إلا أن ينكره منهم بينه وبين نفسه.
ولعله ما أنكر ذلك منهم إلا لأنه لا يستطيعه لنفسه، فقد عاوده ما يكدر نفسه من اهتمامه بهيئته وماذا عسى أن يكون وقعها في النفوس؛ وإنه ليطيل النظر في المرآة فلا تعجبه أذناه الكبيرتان ولا أنفه المفرطح الواسع المنخرين ولا عيناه الشهباوان الجاحظتان بعض الشيء ولا شفتاه الغليظتان بعض الغلظ.
على أن له في القراءة مصرفاً عن هذا، وعزاء ومتعة غير ما يسعى إليه اخوته من متعة؛ وهو اليوم في الرابعة عشرة من عمره يلتهم ما تصل إليه يده من الكتب التهاماً؛ ولن يزال مكباً على كتابه ساعات طويلة حتى لينسى نفسه، لأنه يعيش بخياله فيما قرأ؛ وكان مما