يود الذين يشتغلون بعلم من العلوم لو أدرك الناس ان لكل علم حرما يجب ألا يدنو منه غير أهله إلا بشيء كثير من الحذر. ومع ذلك فان من الشائع المألوف ألا يكتفي للناس بالدنو والاقتراب من حرم هذا العلم أو ذاك، بل ان الكثيير منهم ليقتحم عليه الباب ويخترق الساحة، ويستبيح الحمى. في غير رفق ولا حذر، ودون ان يستأذن أو يسلم
وهذا الاعتداء قد يكون من عامة الناس وجهلتهم. فلقد ترى الواحد من هؤلاء يصف للمريض الدواء الشافي والعلاج الناجع في جرأة قلما نراها في الطبيب المحنك الذي وعى في صدره طب الأولين والآخرين. ولكن هذا الاجتراء على حرم العلم قد يكون أيضا - ويا للاسف - من رجال ينتسبون إلى الثقافة وإلى العلم، وربما رأينا المثقف يعتدي - فيي جرأة واعتداء بالنفس - على حرمة علم لم يدرسه ولم يلم به، فيتحدث عنه حديث من أحاط بأطرافه وتوفر على درسه.
ولعل هؤلاء أشد خطراً من جهلة الناس وعامتهم. لأنهم مثقفون، ولأنهم ألموا ببعض العلوم إلماماً حسنا. فأكسبتهم ثقافتهم وعلمهم مكانة بين الناس ومقدرة على الافصاح عن آرائهم ليست للأمي الجاهل، فهم اذا تحدثوا عن علم غير ما اختصوا بدراسته، أخذ الناس عنهم أقوالهم من غير جدال، لما لهم من المقدرة في البيان ومن المكانة في النفوس.
والذين راقبوا هذه الظاهرة بين رجال الثقافة قد أدهشهم أن يروا هؤلاء يتكلمون في جرأة وفي ثقة، عن أمور لا يتحدث عنها الاخصائيون الا في حذر شديد. فيصدق فيهم المثل الانكليزي:
(يمعن السفهاء في الجري والاندفاع، حيث تخشى الملائكة أن تمشي الهويني)
أثارت هذه الخواطر في نفسي مقالة للدكتور أحمد زكي في الرسالة عنوانها (العنصرية) وقد رأينا فيها ما يعانيه علم جديد وهو علم الأجناس من رجال السياسة ممن لن يلموا به إلماماً صحيحا، ولا جشموا أنفسهم مشقة مطالعة سفر واحد مما ألف فيه. وقل أن يكون بين العلوم علم لقي من هذه الناحية مثل ما لقيه علم الأجناس.