انتظر أبنائي سيارة الليسيه خمسين دقيقة أو تزيد. انتظروها على باب البيت، بين المطر المنهمر والريح العصوف
وحين أشفقت أمهم فدعتهم إلى الدخول أجابوا ضاحكين: هذا أظرف يوم!
ثم جاءت السيارة فأقلتهم برفق إلى معهدهم المحبوب، ولعلهم لم يحبوا معهدهم بأكثر ما أحبوه في هذا اليوم، فلن تكون الروس غير حكايات وأقاصيص، ولن يكون المدرسون غير أطفال كبار يفرحون بمنظر المطر الهتان!
وبقيت في البيت أسأل نفسي عما أصنع، فما يجوز أن أخرج في مثل هذا اليوم، وهو لا يصلح لغير اقتناص الأوابد من الذكريات
لم يكن المطر غريبا عليّ، فقد تمتعت به أعواما في الديار الفرنسية. ولن أنسى فضله يوم دخلت مدينة الهافر أول مرة في سنة ١٩٢٧، فقد أتاح الفرصة لمحادثة ريحانة مطولة على غير ميعاد. . . نظرت إليها بعين الغريب الحائر وقلت: , - ' ?
وبين السؤال والجواب تلاقى روحان، وكان المطر سبب التلاقي
وفكرت في (المطرية) التي نسيتها على سلم البيت المحبوب في باريس، يوم فارقتها آخر مرة في صيف سنة ١٩٣٣
وعلى محطة ليون تذكرت تلك (المطرية)، وجاءت فلانة لتوديعي، فلانة التي كانت قالت: ,
يومئذ أوصيت فلانة بأن ترجع إلى البيت المحبوب لتأخذ المطرية التي نسيتها هناك
تذكرت وتذكرت
تذكرت أني حين رجعت إلى بغداد في صيف سنة ١٩٣٩ مع (وفد مصر) للاشتراك في تأبين الملك غازي رأيت في شارع الرشيد إنسانة تشبه تلك الفلانة، فطوفت حولها مرات إلى أن صرخت:
فقلت: لا غرابة في أن لا تعرفني، فشمس بغداد تزيغ عيون الباريسيات
كان أمر هذه الفلانة عجبا من العجب، كانت فتاة غريبة الروح، وقد تركت دينها لتعتنق