كان السيد جمال الدين الأفغاني أستاذ (الوحدة الإسلامية)، الذي أقامها مذهباً، وأوضحها منهجاً، وخلفها في العقول وفي القلوب عقيدة اجتماعية وفكرة سياسية لها أشياع وأتباع، فتردد صداها في كل مصر من أمصار العربية، وظهر أثرها في كل قطر من الأقطار الإسلامية، حتى أصبح اسم ذلك المصلح العظيم لا يذكر إلا مقروناً بالدعوة لتلك الوحدة، مميزاً بالجهاد في ميدان هذه الفكرة.
كان جمال الدين الأفغاني أستاذ (الوحدة الإسلامية) الذي رفع لواءها، على أنه لم يكن أول من فكر فيها أو أقترح الرأي بها، فهم يقولون إن صلاح الدين الأيوبي قد دعا هذه الدعوة، وأراد أن يجمع دول الإسلام وولاياته عندما رأى دول الصليب قد تجمعت واحتشدت لتتخطف مجد الهلال من كل جانب، وعلى أي حال فقد طويت دعوة صلاح الدين بظروفها وملابساتها، وانتهت حملة الصليب على الهلال إلى غمرة شاملة، قضاها الشرق العربي مخدور الأعصاب، مجزور الأسباب، مهدوم الكيان والبنيان، بعد أن خذلته أمراض الفرقة، وفرقته أغراض الطمع، وقتله الجمود والخمود، فكان له ماض وكأنه لا يمت إليه، وكان له حاضر ولكنه لا ينتفع به، وكان أمامه مستقبل ولكنه ليس له.
هذه حقيقة لم يختلف في تقريرها أحد من الباحثين الذين عنوا بشؤون الشرق واهتموا بتشخيص دائه المزمن سواء أكانوا من الغربيين أم من الشرقيين، وإن اختلفوا في التعليل لهذه الحقيقة والتماس الأسباب التي أدت إليها، على أن هناك إلى جانب هذه الحقيقة حقيقة أخرى لا بد أن نذكرها في المقام، وهي التي شهد بها البحاثة الاجتماعي المعروف الدكتور جوستاف لوبون إذ يقول في هذا الصدد:(ولئن كانت دولة العرب لم تعد ترى إلا في كتب التاريخ فإن المعنى الديني الذي هو أساس تلك الدولة قد ظل حياً ذائعاً، وبقي محمد (صلى الله عليه وسلم) من أعماق قبره يسود تلك الملايين العديدة الساكنة أفريقية وآسيا المترامية