إذا كان كل من يحمل قلماً يستطيع أن يخط به كلاما يمكن أن يقرأ، ويؤدي إلى معنى من المعاني، أيا كان هذا المعنى.
إذا كان هذا يسمى كاتباً، إذن لجاز لنا أن نسمى أطفال المدارس الابتدائية كتاباً!!
وإذا كان الكاتب هو ذلك الذي يستطيع أن يملأ عدة أعمدة من صحيفة أو مجلة أو كتاب، في أي وقت يشاء، أو في أي وقت يطلب إليه أن يكتب. . .
إذا كان هذا هو الكاتب، إذن لأخرجنا الكتابة عن نطاقها الفني، وحدودها المتسامية، وجعلناها أقرب إلى الصناعة منها إلى الفن الجميل المتسامي!!
فمن إذن الكاتب؟. . . من هو؟
هو الذي يحمل قلماً، وفكرة، وأمانة. . فأما القلم فوسيلة، وأما الفكرة فنهج، وأما الأمانة فهي الهدف.
وليس القلم هو ذلك الشيء الصغير المتواضع الذي يستطيع أي إنسان أن يملكه، مادام يستطيع أن يدفع ثمنه الزهيد الصغير. . . وإنما القلم معنى من المعاني الكامنة في النفس، قبل أن تكون كامنة في الجيب، أو في مجال بيع الأقلام بمختلف أنواعها. .
هذا المعنى الكامن في النفس، يستمد عناصره، ووجوده، وكيانه كله. . . من الدم، والألم، والقلب معاً.
وليست فكرة، هي أن تدرس كتاباً، أو عدة كتب. . . أو أن تنتهي من دراسة، ولو كانت جامعية.
لا، ليست هذه هي الفكرة، وإنما هي قبل كل شيء فلسفة تتخذها بعد أن تكون قراءات الزمن في الكتب وفي الحياة، وتجارب السنوات وشدائد الأيام، واستقصاء المعارف والحقائق الكونية الراسخة في طبيعة البشر. . . بعد أن تكون كل هذه العناصر قد تفاعلت في نفس إنسانية ذواقة، متفتحة، مشرقة، لماعة، بارعة، فاستقرت أخيراً فيها حقيقة واحدة، تكون منهجاً واحداً، يتخذه الكاتب فلسفة في الحياة.