قال أرسطوقراطية الرومي: تكليف النفس ما ليس من طبعها، دخول على الناس بخدعة ما ينبغي المرء أن يسكن إليها. وإرسال النفس على سجيتها تقرير لواقع الطبع ومسايرة لحقيقة الأشياء. فاختر لنفسك أمراَ: فأما أن تعايش الناس صورة مزورة على الطبيعة، وإما أن تعايشهم صورة حقيقة لما بثت الطبيعة في تضاعيفك من عناصرها. فأذا اخترت الأولى فأنت منافق. وإذا اخترت الثانية فأنت صريح النسب إلى الفضيلة.
قرأت هذه الكلمات. أقرنيها رجل أمي لم يفتح كتاباَ غير كتاب الدنيا؛ ولا عرف صحيفة إلا صحيفة الأيام. رمته الدنيا بالفقر. والفقر، كما يقول الإنجليز، إذا نقر على الباب قفز الحب من النافذة. ورمته مع الفقر بالبغضاء: يحملها له أهله وأبناؤه وذوو قرباه. ومع البغضاء رمته بالحقد. الحقد الذي يأكل صدره على كل من جادت عليه الدنيا بشيء من نعائمها رزأه أحد أقاربه الأغنياء في شيء من ماله القليل، أخذه وأنكره عليه. فراح يستنصر آخر منهم حمت نفسه بمرضين: كراهية البشر، وتكلف العظمة، ومعهما أنتحل الأرسطوقراطية؛ ولكنها أرسطوقراطية الوضاعة. وكان وقوعه على هذا العتل حلقة في سلسلة مصائبه
هو إنسان إذا طرق بابه إنسان امتقع وجهه، وابيضت خرطومته من النكد والهم؛ فجلس إليه يعلو صدره ثم يهبط كأنه كير حداد. وتكلف الأدب تكلفاَ ينم عن سوء أدبه؛ وتكلف الكلام، فتحس وهو يتكلم كأنما صدره مرجل يغلي، والكلمات تهدار ما في ذلك المرجل الثائر. قد يلتفت إليك إذا هو أراد أن يبالغ في إيلامك، وقد ينأى عنك بجانبه إذا هو أراد ملاطفتك. ذلك بأنه إذا التفت إليك فكي يريك الحقد مجسماَ في ملامحه، والكراهية مرسومة في محياة. وإذا نأى عنك فكي يخفى عنك هذه المعاني المرتسمة في وجهه. فكأنه بذلك يمن ويشفق بك. وقد يبدؤك الكلام؛ فإذا كان هو البادئ فطامتك عظمى، ومصيبتك سوادء، ويومك أنكد الأيام، وساعتك أنحس الساعات، وبرهتك القيامة، نصب ميزاتها وبدأ الحساب
هيه. . . كيف عرفت بيتي؟ تكلم. . .
ويحدجك بنظرة، تتمنى لو أن الأرض تغور بك، أو يفتح لك فوهة من فوهات جهنم تلقفك،