للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المذهب الرمزي]

أهو نزعة سليمة في التفكير؟

للأستاذ عبد العزيز عزت

يعزو المذهب الرمزي اسمه الفرنسي إلى مورياس في نشرة طبعها عام ١٨٨٦ وفي أحد أعداد جريدة هذا المذهب عند أوائل ظهورها، وأسمها (الرامز) - بطبيعة الحال - يجد القارئ مكتوباً فيها - بحبر!! - ما ترجمته: (الشيء الموجود ما هو إلا مظهر، مظهر خداع، لأنه يكفي أن تتغير حالتي النفسية حتى يتغير وجوده) - هكذا! - ويقول العلامة مارتينو مدير جامعة بواتييه في كتابه وعنوانه (المذهب البرناسي والرمزي) ما نصه (إننا نجد عند فرلين، وعند ملارميه، وعند رامبو وكثير من الرمزيين، أن الشيء الواقع ومثوله، حاضراً كان أم ماضياً، لا قيمة له مطلقاً.

ولكن إذا كان المذهب الرمزي يبلغ من العجز أن يتعامى وينكر وجود الأشياء الواقعة، ويجعلها إضافية إلى عوارض النفس وانفعالاتها، فماذا يستعيض بها يا ترى؟؟ يجيب مدير الجامعة السابق في نفس الكتاب صفحة ١٤٠ بقوله) إن عباقرة هذا المذهب يحلون هواجس النفس وشؤم التصور وإبهام الطلامس وضعف الإقدام، في مكان الرأي الواضح).

وعليه؛ فالمذهب الرمزي في الأدب وفي غير الأدب من فن ودين، هو نوع من الغمز واللمز في التفكير، لا يستقيم له عود ولا تمتد له ظلال. ذلك لأنه مبدأ بني على الالتواء والغموض الفكري، تنعدم فيه الصراحة، ويفسد فيه الوضوح، ويختل فيه ثبات الآراء بالمعنى الأفلاطوني. ولما كانت الصراحة والوضوح هما أساسي الحقائق الفكرية الثابتة التي بدونهما لا يستقيم للعقل منطق، ولا للشعور انسجام، كما يؤيد هذا ديكارت في كتابه المعنون (مقال عن المنهج) في إحدى قواعده الأربع العقلية؛ ولما كانت الحقيقة والفضيلة متكافئتين متعادلتين في فلسفة ديكارت، فقد أضحى هذا المذهب يتناقض وأول أصول العلم الحديث، ويتعارض وبديهيات مبادئ الأخلاق، هذا من الوجهة النفسية.

والرأي صحيح إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة تطور التفكير الإنساني، على صفحة الزمان، وتسلسل المعارف البشرية وتعاقب الملكات النفسية التي عملت على خلق التراث البشري في التاريخ. هذا التطور يؤكد لنا منطقاً لا يحيد مجراه، فلا تختل له حقبة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>