للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إذا جاء نصر الله والفتح. .]

(مهداة إلى آية الله كاشاني)

للأستاذ سيد قطب

في الأفق بشائر - في هذه الأيام - على الرغم من كل ما يكتنفه من سحب وظلام. في الأفق بشائر بالعودة إلى حمى الإسلام، تتجلى في كل أنحاء الوطن الإسلامي. عودة الفلول الشاردة الممزقة، التي هدها الكلال وهي تلهث وراء أعلام أجنبية عن روحها وتاريخها؛ أجنبية عن أهدافها ووجتها. . .

إنها تعود رويدا رويدا في هذه الأيام إلى الحمى الذي استبيحت حرماتها عندما فارقته، والى الراية التي أزيلت عزتها حينما تخلت عنها. . إنها تعود إلى الإسلام تتنادى باسمه في كل مكان، وتطلب عنده القوة والعزة والسلامة. . وهذا هو موضع الرجاء في العالم الإسلامي في هذه الأيام.

إن الدعاة اليوم إلى تكتيل العالم الإسلامي في جبهة، والى تحكيم الإسلام في هذه الكتلة. . ليسوا هم الدعاة الدينيين وحدهم، وليسوا هم (الإخوان المسلمين) وحدهم، وليسوا هم الأفراد الذين يوجه الإسلام تفكيرهم وحدهم. . انهم ليسوا هؤلاء وحدهم فحسب في هذه الأيام، إنما هم كذلك جماعات وأحزاب وشخصيات ليست الدعوة الإسلامية طابعها البارز، أو جهتها الإسلامية. . وهذا هو الدليل على أن الأمة الإسلامية قد وجدت نفسها بعد التيه والضلال، وأنها تتجاوب بصدى واحد، منبعث من ضميرها بلا تمحل ولا افتعال.

لقد لعب الاستعمار لعبته الكبرى يوم مزق الوطن الإسلامي الأكبر، وحوله إلى دويلات تحمل الطابع القومي الهزيل، وتتخلى عن قوميتها الإسلامية الكبرى. لقد هدم حينذاك كل ما بناه الإسلام من وحدة ضخمة تذوب فيها العناصر والأجناس، وتنصهر فيها الألوان واللغات، وتهتف كلها هتافا واحدا من قلوب متآخية في الله.

ولم يكن بد للاستعمار من أن يلعب هذه اللعبة. فما كان في استطاعته أو مقدوره أن يزدرد هذه الكتلة الكبرى وهي وحدة متماسكة. فأما حين نفخ لها في بوق (القومية) الخداع فقد انفرط العقد، وانحلت العقدة، وتناثرت الفلول، وباتت كلها لقمة سائغة لمن أراد.

ثم واجهت كل دويلة مشكلاتها الداخلية. واجهتها عزلاء من راية تقف في ظلها، ومن قبلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>