للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تطور الاتجاه نحو وحدة عالمية]

لصاحب المعالي محمد حافظ رمضان باشا

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

فلما نشبت الحرب العالمية الأولى واضطربت المواصلات بين الدول والشعوب شعر سكان العالم جميعاً بما أصابهم من الضيق والعوز في مأكلهم وملبسهم وسائر حاجياتهم وظهر لكل إنسان أن شعوب العالم مرتبطة وأنها تتبادل الحاجيات بحكم الترابط الاقتصادي الذي نشأ بسبب اختراع الآلات الصناعية وسهولة المواصلات، وفي هذا الوقت الذي كان فيه العالم يرسل كل ما عنده من الاحتياطي من الرجال والعتاد في أتون الحرب ثبت عند الرئيس ولسون تفكير جديد بضرورة التعاون بين الشعوب، فبعث في ٨ يناير سنة ١٩١٨ برسالة إلى الكونجرس الأمريكي تتضمن شروط الصلح التي قضى فيها على كل فكرة في تقسيم الغنائم أو فرض الغرامات أو ضم المستعمرات أو غير ذلك مما كان معروفا قبل هذه الحرب، كما أشار إلى إلغاء الحواجز الجمركية وتقرير حرية التجارة وحرية البحار وحق الأمم في تقرير مصيرها ووضع نظام دولي في صورة عصبة الأمم لفض كل خلاف.

وإذا كان ناقدو الرئيس ولسون قالوا عنه إنه خيالي فإننا نعتقد أنه أول من جرؤ أن يعلن حقيقة التطور في العالم الذي أصبح وحدة اقتصادية عالمية والذي يجب أن يكون نظامه على أساس من التعاون المتبادل لا السيطرة والسيادة، وأن كل خطأ الرئيس ولسون إن كان هناك خطأ آت من أنه فهم حقيقة الواقع بينما كان غيره لا يزال معتصما بأهداف النظم القديمة والتي أصبحت لا تلائم تطور العالم في الوقت الحاضر.

وعلى أي حال فإذا كانت عصبة الأمم وهي وليدة الحرب الماضية قد قيدت بقيود جعلتها عديمة الجدوى فإنها كانت أشبه شئ ببذور ألقيت على أرض بكر لابد أن تثمر عاجلاً أو آجلاً. ففي عام ١٩١٩ انتهز بعض رجال العمل في أمريكا اتصالهم برجال الأعمال من الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين وغيرهم واتفقوا على إنشاء غرفة تجارية دولية. كذلك أدخل في معاهدة فرساي في الباب الثالث عشر نظام إنشاء مكتب العمل الدولي.

ولا ريب أن هاتين المنشأتين وهما تبحثان عن العلاقات التجارية بين الدول وعن نظام العمل وقوانين العمال في جميع البلاد مع ما فيها من نقص وعيوب إنما هما على أي حال

<<  <  ج:
ص:  >  >>