للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المأساة الفلسطينية]

لباحث دبلوماسي كبير

أجل لم تعد قضية فلسطين مسألة من مسائل الاستعمار والسياسة، ولكنها تغدو مأساة حقيقية.

مضت إلى اليوم عدة أسابيع، وفلسطين تجوز أحداثاً هائلة: أهوال الإضراب والمقاومة السلبية، وأهوال القوة الغاشمة تميل عليها وتنكل بها من كل صوب، وتحاول إخماد أصواتها وأنفاسها بكل وسيلة، وتعمل على تجريدها من كل وسائل الأعراب والمقاومة؛ والسياسة المتجنية تشهد آلام شعب بأسره هادئة جامدة، لا تحركها صرخات الألم، ولا إزهاق الأنفس وإهراق الدماء، بل تؤكد هادئة أنها لن تحاول بديلا لخطتها، وأنها ستمضي فيها إلى النهاية غير مكترثة بإرادة شعب وحقوقه، بل بحياته أو موته.

والواقع أن فلسطين اليوم تجوز صراع الحياة والموت؛ وهي تجوز هذا الصراع منذ تسعة عشر عاماً، أعني مذ قضت عليها السياسة الإنكليزية في سنة ١٩١٧، بأن تغدو وطناً قومياً لليهودية؛ ولكن خطر الصهيونية على كيان فلسطين لم يُبد في أعوامه الأولى كما يبدو اليوم؛ وكانت الأمة الفلسطينية مازالت في هذه الأعوام الأولى تهجس بشيء من الأمل، أما اليوم فأن الخطر الصهيوني يبدو في ذروة روعته، خطر فناء لا شك فيه؛ وتفقد الأمة الفلسطينية كل أمل في عدالة الاستعمار والعدالة الدولية، وتدفعها اليوم إلى الكفاح نزعة يأس عميق؛ وإذا بلغت الأمم حد اليأس، هانت عليها كل سبل الأقدام والتضحية.

وهذا ما يطبع كفاح الأمة الفلسطينية اليوم، فأنها تجوز غمار هذه الأحداث الهائلة التي نشهدها منذ أسابيع، مقدمة غير مكترثة لبذل النفس والمال، ونثابر على الكفاح بهمة الجلد المستميت.

أسفرت الحرب الكبرى عن وقوع فلسطين تحت نير استعمار مزدوج، فقد فرض عليها الانتداب البريطاني باسم عصبة الأمم، والانتداب هو حماية أجنبية صريحة؛ وقضت عليها السياسة البريطانية من جهة أخرى أن تكون وطناً قومياً لليهود، وأدمج هذا العهد الذي قطعته إنجلترا لليهودية في نص الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم، وغدت فلسطين بذلك أرضاً بريطانية كما غدت ميداناً للاستعمار اليهودي الاقتصادي والاجتماعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>