قد يكون من عبث القول أن نحاول اليوم إثبات وجود فلسفة إسلامية انفردت بما لها من خصائص ومميزات؛ فقد انقضى الزمن الذي ادعي فيه (رينان) ومن نحا نحوه أن فلاسفة الإسلام اكتفوا بترديد نظريات (أرسطو) دون أن يغيروا فيها شيئاً. هناك فلسفة إسلامية، كما أن هناك فلسفة مسيحية، أو بعبارة أخرى تقابل المدرسة الفلسفية العربية في الشرق، المدرسة اللاتينية في الغرب. ومن هاتين الفلسفتين مضافاً إليهما الدراسات اليهودية يتكون تاريخ البحث النظري في القرون الوسطى. للإسلام فلسفة قد امتازت بموضوعاتها وأبحاثها، بمسائلها ومعضلاتها، وبما قدمت لهذه وتلك من حلول وأجوبة. فهي تعني بمشكلة الوجود والتعدد , والصلة بين الله ومخلوقاته التي كانت مثار جدل طويل بين علماء التوحيد المسلمين. وتحاول أن توفق بين الوحي والعقل، بين العقيدة والحكمة، بين الدين والفلسفة، وأن تبين للناس أن الوحي لا يناقض العقل في شيء، وأن العقيدة إذا استنارت بضوء الحكمة تمكنت من النفس وثبتت أمام الخصوم، وأن الدين إذا تآخي مع الفلسفة أصبح فلسفياً، كما تصبح الفلسفة دينية. وقد وصل الفلاسفة المسلمون في كل هذه النقط إلى نتائج جديرة بالتقدير والإعجاب.
لا يستطيع باحث أن ينكر أن هؤلاء الفلاسفة قد أخذوا عن (أرسطو) معظم آرائه، وتأثروا بأفلاطن + ٢٧٠) إلى حد كبير. ومن ذا الذي لم يتتلمذ على من سبقه، ولم يقتف أثر من تقدموه؟. . . وها نحن أبناء القرن العشرين لا تزال عالة في كثير من المسائل على أبحاث الأغريق والرومان. غير أن الفلسفة الإسلامية، وإن بنيت على أفكار السابقين، تشتمل على نظريات جديدة؛ فهي فلسفة أنتجتها البيئة والوسط، وأملتها الظروف المحيطة بها؛ وتلك سنة من سنن التاريخ، وأصل من أصول الاجتماع. على أنا إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة الفرد، وجدنا القانون لا يتغير، ولاحظنا أن الفكرة الواحدة إذا تناولها بالبحث أشخاص متعددون، ظهرت في مظاهر متباينة. لفيلسوف أن يقترض من آخر بعض آرائه، ولن يمنعه ذلك من أن يأتي بنظريات خاصة وفلسفة متميزة. (فاسبينوزا + ١٦٧٧) مثلاً، رغم متابعته الواضحة (لديكارت + ١٩٥٠)، يعد بحق صاحب مذهب فلسفي مستقل.