للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب الإغريقي]

في عصر الإسكندرية

للدكتور محمد مندور

رأينا أن شعر الإسكندرية لا يهز النفوس إلا عندما يعود فيتصل بالحياة، ولقد شهدنا ذلك الاتصال في المقطوعات الصغيرة وفي أغاني الريف والرعاة. وبإنعام النظر فيما سقنا من أمثلة يلاحظ القارئ بلا ريب أن ذلك الشعر وإن كان نقياً خالصاً فإنه لم يخل من واقعية، وذلك لا في الأسلوب فحسب، بل وفي نوع الإحساس والتفكير. ولقد استمعنا إلى تيوقريطس ينصت إلى الضفدعة الخضراء، ويتغنى ببمبيكا الباسمة الخفيفة الدم، وقد جن بها عادياً خلفها كما يعدو الذئب وراء النعجة والبجع خلف المحراث، وعنده أن جالاتيه، البيضاء كاللبن المخيض، لاذعة كعنقود العنب الخضر.

وهذه الواقعية لا علاقة لها بالمذهب الأدبي الذي ظهر خلال القرن التاسع عشر بذلك الاسم، فأدباء ذلك القرن وعلى رأسهم بازك وفلوبير وموباسان إنما كانوا يقصدون بالواقعية الكشف عن الجوانب الوضيعة في النفس البشرية، حتى لقد تطور مذهبهم فانتهى إلى الطبيعية التي نجدها عند زولا حيث لا ترى إلا الغرائز الشاذة والقوى العضوية ومخلفات الوراثة المثقلة تقود أبطال الروايات. واقعية شعراء الإسكندرية لا غوص فيها ولا تحليل ولا التماس للجوانب المظلمة في النفس، وإنما هي تصوير لواقع الحياة الساذجة، ولشعور النفس المفطر بأسلوب مباشر

وإذا كانت هذه الواقعية قد طالعتنا من ثنايا الأغاني، فإنه لم يكن بد من أن تنفرد بنوع بذاته من أنواع الأدب، وهذا النوع هو ما سميناه فصول المحاكاة

فصول المحاكاة

نشأ هذا الفن بصقلية كما نشأت أشعار الرعاة، وإن يكن أقدم منها تاريخاً، إذا يعتبره النقاد عنصراً من العناصر التي مهدت للكوميديا، وأكبر الظن أنه نشأ في القرن الخامس ق. م. على يد سُفُرون وزيناركوس، وإن يكن ما كتبناه قد ضاع. ولهذا لا نستطيع أن نجزم بطريقة بنائهما لتلك الفصول، وإن كان من الراجح أنها كانت على غرار ما وصلنا من

<<  <  ج:
ص:  >  >>